بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنامحمد وعلى آله وصحبه
صلاة أهل السموات والأرضين عليه
إجري ياربي لطفك الخفي في أمورنا والمسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنامحمد وعلى آله وصحبه
صلاة أهل السموات والأرضين عليه
إجري ياربي لطفك الخفي في أمورنا والمسلمين.
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
أخذ العهد بطريق الخلوتية
أخذ
العهد بطريق الخلوتية: من تاريخ الجبرتي.
الطريقة
الخلوتية: وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي, أحد أهل السلسلة ويعرفون أيضا بالقرباشلية
نسبة إلى سيدي علي أفندي قره باش أحد رجالها أيضا، وهذا هو الاسم الخاص المميز لهم
عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الألفية:
والخلوتية الكرام
فرق قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا
وخيرهم طريقنا العلية من قد دعوا بالقرباشليه
وهي طريقة مؤيدة
بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطاق، وكانت خير الطرق لأن
ذكرها الخاص بها لا اله إلا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف.
وكيفية تلقين الذكر
وأخذ العهد:
كيفية المبايعة
للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة
ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من إمداده ويقول له قل
معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم يا أيها الذين آمنوا توبوا
إلى الله توبة نصوحا إلى قدير، ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الاشتباه
وهي ((إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)) اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى قوله تعالى عظيما، ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه
بالقيام بأوراد الطريق والدوام على ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر
وإذا وقعت الإشارة بتلقين الاسم الثاني لقنه ليبلغ الأماني وفتح له باب توحيد الأفعال
إذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى وفي الرابع توحيد الصفات
ليدرجه إلى أعلي الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى بأوفر اللذات وفي السادس والسابع
يكمل له التوابع ونسأل الله تعالى الهداية
والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين.
وإذا أراد الشيخ
أن يأخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيأ لقبول ما
يلقيه اليه من الشروط في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل اليه
في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على
يد المريد اليمنى بان يضع راحته على راحته ويقبض إبهامه بأصابعه ويتعوذ ويبسمل ثم يقول
الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال ثم يقول اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك
ورسلك وأولياءك إني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم
إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن
له ولا تكن عليه ثم يدعو كأن يقول اللهم أصلحنا وأصلح بنا وأهدنا وأهد بنا وأرشدنا
وارشد بنا اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى.
والمراتب السبعة
هي مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها:
ـ الاسم الأول
"لا اله إلا الله" وتسمى النفس فيه أمارة
ـ الثاني
"الله" وتسمى النفس فيه لوامة
ـ الثالث
"هـو" وتسمى النفس فيه ملهمة
ـ الرابع
"حـق" وهو أول قدم يحله المريد من الولاية وتسمى النفس فيه مطمئنة
ـ الخامس
"حـي" وتسمى النفس فيه راضية
ـ السادس
"قيـوم" وتسمى النفس فيه مرضية
ـ والسابع
"قهـار" وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين.
سلسلة القوم:
واعلم إن سلسلة
القوم هذه في كيفية أخذ العهد والتلقين مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه
عن جبريل وهو يرويه عن الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم لقن عليا رضي الله عنه
وصورة ذلك كما في ريحان القلوب في التوصل إلى المحبوب لسيدي يوسف العجمي إن عليا سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على اقرب الطرق إلى الله تعالى فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات فقال علي رضي الله عنه هذا فضيلة الذكر وكل الناس
ذاكرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله فقال علي كيف اذكر يا رسول الله قال غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث
مرات وانأ اسمع فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لا اله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي لا اله
إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح
عند أهل السلسلة الأخيار من المحدثين قال
الجاحظ السيوطي الراجح إن البصري اخذ عن علي ومثله عن الضياء المقدسي ومن المقرر في
الأصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي
وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد
البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الإسلام ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري
وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب السهروردي وهو لقن
قطب الدين الابهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال
الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن أخي محمد الخلوتي
وإليه نسبة أهل الطريق وهو لقن بير عمر
الخلوتي وهو لقن أخي بيرام الخلوتي
وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني
صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة
وهو لقن خير التوقادي وهو لقن شعبان القسطموني وهو لقن اسمعيل الجورومي وهو المدفون
في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي أفندي قره
باش أي اسود الرأس باللغة التركية واليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى أفندي ولده
وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن
حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري
الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف أشياخا
كثيرة.
***منقول ***الجمعة, 31
يوليو 2009 15:12 عبد المنعم القاسمي
مفهوم الطريقة فى
مذهب التصوف
يقول الداعية الكبير
الشيخ المجاهد بديـع الزمان سعيد النورسي (ت1379هـ= 1960م) في مكتوبات له حول التصوف
تحت عنوان ((التلويحات)): «وقد كانت الطرق الصوفية وما زالت كذلك إحدى القلاع الثلاث
التي تتحطم على جدرانها الصامدة هجمات النصارى بسياساتهم ومكائد الذين يسعون لإطفاء
نور الإسلام، فيجب ألا ننسى فضل هذه الطرق في المحافظة على مركز الخلافة الإسلامية
اسطنبول طوال خمسمائة وخمسين سنة رغم هجومات عالم الكفر وصليبية أوربا، فالقوة الإيمانية
والمحبة الروحانية والأشواق المتفجرة من المعرفة الإلهية لأولئك الذين يرددون «الله
الله» في الزوايا والتكايا المتممة لرسالة الجوامع والمساجد والرافدة لهما بجداول الإيمان،
حيث كانت تنبعث أنوار التوحيد في خمسمائة مكان، لتشكل بمجموعها أعظم نقطة ارتكاز للمؤمنين
في ذلك المركز الإسلامي».
وتقول الباحثة الألمانية
الشهيرة ماري شميل: «إن الطريق لدى الصوفية في مجمل الأديان هي صورة لتلك المراحل والخطوات
نحو التوجه إلى الله، والتقسيم الإسلامي للطريق الصوفي هو شريعة وطريقة وحقيقة، الطريقة
أي الدرب الذي يسلكه الصوفي، وتعرف بأنها الطريق الذي يتفرع من الشريعة لأن الشارع
الواسع يسمى شرعا والفرع منه يسمى طريقا، وهذا الاشتقاق يبين أن الصوفية يعتبرون أن
طريق التربية الصوفية هي درب من طريق الشريعة الذي يجب على كل مسلم أن يسلكه».
مفهوم الطريقة
1 ـ لغـة: الطريق
في اللغة هو السبيل الذي يطرق بالأرجل، وعنه استعير كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محمود
كان أو مذموما، والطريقة هي السبيل، وهي السيرة، وطريقة الرجل مذهبه كما جاء في لسان
العرب. قال تعالى: ((وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)) [الجن:
16]. وجمع الطريق طرق، على حين أن جمع طريقة طرائق، قال تعالى: ((وإنا منا الصالحون
ومنا دون ذلك وكنا طرائق قددا)). [الجن: 14]
2 ـ أما في الاصطلاح:
الطريقة عند الصوفية هي عبارة عن: «مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفية المشروعة التي
لا رخصة فيها، فإن تتبع الرخص سبب لتنفيس الطبيعة المقتضية للوقفة والفترة في الطريق».
أو هي»السيرة المختصة بالصوفية السالكين إلى الله تعالى، فهي سفر إلى الله تعالى»،
و»السالك إلى الله تعالى أو المريـد هو المسافر فعلى المسافر إلى الله أن يسلك طريق
القوم وأن يجتازها مرحلة بعد مرحلة، أما من أدركتـه عناية الله فجذبته العناية إلى
الله جذبا فهذا ما يسمونه مجذوبا».
وقد فرق الصوفية
بين الطريق والطريقة: فالطريق هو السبيل الذي يسلكه المريد وصولا إلى المراد، وهو ما
كان معروفا لدى المتصوفة إبان التصوف في مراحله الأولى أو ما يعرف بالتصوف الفردي.
أما الطريقة فاصطلاح
ظهر لاحقا إبان التصوف الجماعي المنظم، يطلق على جماعات المعاشرة الإخوانية التي تعرف
باسم الطرق الصوفية وتدعى الواحدة منها باسم الطريقة.
وغـاية الطريق هي:
«الترقي الخلقي بالمجاهدة للنفس، وإحلال الأخلاق المحمودة محل الأخلاق المذمومة».
وهي طرق حددها العارفون
بالله من المشايخ المجتهدين في علم التصوف بهداية من ربهم سبحانه: (واتقوا الله ويعلمكم
الله) [البقرة: 282] (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) [العنكبوت: 69] فقد علمهم
الله وهداهم ويتولون هم إرشاد مريديهم إلى هذه الطرق ومثل ذلك مثل الطبيب الذي يكتشف
دواء لمرض فيصفه لمرضاه وهؤلاء أطباء القلوب تسلقوا معالي الآمال في معرفة الله فيرشدون
السالكين للوصول إلى قمم الآمال ولاشك إنها جميعا تعود إلى سنة النبي وسيرة السلف الصالح
من الصحابة التابعين ومصدرها جميعا هو القرآن الكريم وخاتم النبيين محمد (صلى الله
عليه وسلم).
ويرى كارا دي فو
أن الطرق الصوفية هي التعبير المنظم عن التصوف الإسلامي ـ بعد أن ظل قرونا يقوم على
الأفراد ـ وأن هذه الطرق التي لها طبيعة الهيئات الدائمة هي التي تحتفظ بنظام خاص وعبارات
خاصة، ويجمعها اسم معلوم، لم تظهر إلا في القرن السادس الهجري، في الحقبة المضطربة
من تاريخ الإسلام، وكانت أول طريقة بهذا المفهوم لها أصل معلوم ولا تزال باقية إلى
الآن هي الطريقة القادرية».
ملامح الطريق الصوفي
أولا: الشيخ
أجمع أهل الطريق
على وجوب اتخاذ المريد شيخا له يرشده إلى زوال الصفات الذميمة التي تمنعه من دخول حضرة
الله تعالى بقلبه لتصح صلاته من باب ما لا يتم الواجب إلاّ به فهوواجب. يقول الطوسي:
«المريد ينبغي أن يكون له مؤدب يوقفه على ما يحتاج إليه حتى لا يتولد من إرادته بلاء
وفتنة لا يقدر أن يتلافاها» ، ويقول القشيري: «... ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ،
فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا» .
والشيخ في اصطلاح
الصوفية: «هو الإنسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة، البالغ إلى حد التكميل
فيها لعلمه بآفات النفوس وأدوائها، ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها والقيام بهداها
أن استعدت ووفقت لهداها». وعرفه التهانوي فقال: «الشيخ هو الذي سلك طريق الحق وعرف
المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير إليه بما ينفعه وما يضره».
وقد استدل الصوفية
على وجوب الشيخ في سلوك الطريق بالكتاب والسنة والحجج العقلية:
من الكتاب قوله
تعالى: ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)) [الأنعام: 90] وقوله أيضا: ((واتبع
سبيل من أناب إلي)) [ لقمان: 15].ّ
من السنة استدلوا
بالحديث الشريف والذي أورده السهروردي: «والذي نفس محمد بيده لئن شئتم لأقسمنّ لكم
أن أحبّ عباد الله تعالى إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده، ويحببون عباد الله
إلى الله، ويمشون على الأرض بالنصيحة»، ويقول السهروردي: «إن هذا الذي ذكره الرسول
هو رتبة المشيخة والدعوة إلى الله».
والحجة العقلية
التي استعملوها هي أن السالك إلى الله تعالى عن طريق الكتاب والسنة من غير شيخ مرشد،
كالمريض إذا كلّف نفسه معالجة نفسه ومداوتها، فان شفي بذلك لا يكون كمن أسلم نفسه المريضة
إلى طبيب حاذق « لأنه لا يهتدى لطريق العلاج بغير شيخ ولو حفظ ألف كتاب في العلم، فهو
كمن يحفظ كتابا في الطب ولا يعرف تنزلا لدواء على الداء «.
وظيفة الشيخ وآدابه:
ودور الشيخ في الطريقة
أو التصوف هو أن يأخذ بيد مريده ويرشده إلى الطريق ويعلمه التوبة والزهد ويشير إليه
بما ينفعه وما يضره ويلقنه الأوراد والأذكار، ويأخذ عليه البيعة ـ أوالعهد كماَ تُسمّى
عندهم ـ تشبيها لها ببيعة الرضوان. يقول الإمام الغزالي: «ليخرج الأخلاق السيئة منه
بتربيته ويجعل مكانها خلقا حسنا». فإذا التزم المريد بنصائح الشيخ وإرشاداته وصل إلى
مبتغاه وصار بدوره شيخا مرشدا وموجها لغيره من المريدين والسالكين.
شروطه وآدابه: وقد
وضع الصوفية للشيخ شروطا من بينها: أن يكون قد سلك طريق الحق. أن يكون قد عرف المخاوف
والمهالك ومنعرجات الطريق. كامل مكمل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة. أن يكون مستقيم
الحال.
ومن آداب الشيخ:
أن يكلم الناس على قدر عقولهم. أن يأمر كل شخص بما يصلح له. حسن الخلق مع المريدين
والرفق بهم. التنزه عن أموال المريدين. حفظ أسرار المريدين. يقول الأمير عبد القادر
في ((المواقف)): «وإنما وجب على المريد طلب الأكمل من المشايخ خشية أن يُلقي قياده
بيد جاهل بالطريق الموصل إلى المقصود، فيكون ذلك عونا على هلاكه».
ثانيا: المـريـد
إذا كان الشيخ يمثل
حجر الزاوية في الطريق الصوفي، فإنه بدون وجود مريدين لهذه الطرق ما قامت وما كانت
هناك طرق صوفية. وقد امتلأت كتب التصوف بالحديث عن آداب المريدين وشروطهم، ووضعوا لذلك
قواعد كثيرة وأسسا يجب أن يلتزم بها سالك الطريق.
والمريد هو سالك
الطريق الذي يسير في الطريقة حسب إرشادات شيخه، فيسلك طريقه كما يرسمه له الشيخ حتى
يصل إلى غايته. وخطوات المريد هي: التوبة، العهد، التلقين. لقوله تعالى: ((وتوبوا إلى
الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)) [النور: 31].
آدابـه: فرض الصوفية
على المريد آدابا يجب عليه التقيد بها منها: طاعة الشيخ طاعة عمياء يقول الغزالي:
«فمعتصم المريد شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد حيث يفوض أمره
إليه بالكلية ولا يخلفه في ورده ولا صدره». توقير الشيخ واحترامه ظاهرا وباطنا. ألا
يلتفت إلى شيخ آخر. الاعتقاد التام في شيخه، يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: «من لم
يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح أبدا».
ثالثا: العهــد
وهو الذي يربط بين
الشيخ والمريد، وهو أوثق رباط بين رجلين تحابا في الله وتعاهدا على طاعته، إنه بيعة
لله وفي الله وبالله. والعهد في اللغة: هو الوصية والموثق، والأمان واليمين، وكل ما
بين العباد من المواثيق فهو عهد.
أما في الاصطلاح
فقد جاء في تعريفات الجرجاني أنه: «الموثق الذي يلزم مراعاته». وجاء في ((اصطلاحات
الصوفية)) للقاشاني هو: «الوقوف عندما حده الله تعالى لعباده، فلا يفقده حيثما أمر
ولا يوجد حيث نهي». فالعهد هو الميثاق بين الطبيب ومريضه، بين المعلم وتلميذه للالتزام
بالتوجيهات والتعليمات في السير إلى الله تعالى بطريق التهذيب والتصفية للنفس.
ودليل أخذ العهد
شرعا :من القرآن الكريم: قال تعالى: ((إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله
فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراعظميا))
[الفتح: 10] ((وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم
الله عليكم وكيلا)) [النحل:91].
من السنة: روى الطبراني
والبزار بإسناد حسن: إن عليا كرم الله وجهه سأل النبي بقوله: يا رسول الله دلني على
أقرب الطرق إلى الله، وأسهلها عبادة، وأفضلها عنده تعالى، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: عليك بمداومة ذكر الله سراً وجهراً، فقال علي كرم الله وجهه: كل الناس ذاكرون
فخصني بشيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل ما قلته أنا والنبييون من قبلي:
لا إله إلا الله ولو أن السموات والأرضين في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم،
ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله، ثم قال علي كرم الله وجهه:
فكيف أذكر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث
مرات، ثم قلها ثلاثا وأنا أسمع، ثم فعل ذلك برفع الصوت».
رابعا: سلسلة الطريق
وهي «عبارة عن إثبات
يبين شيوخ الصوفي في المشرب الذي ينتمي إليه وميله وذوقـه واتجاهه، وصارت بعد تكوين
الطرق الصوفية شجرة تبين نسبة كل منها، وتحدد أسلاف الطريقة، والظاهر أنها متأخرة لم
تحظ باهتمام الصوفية إلا بعد ضعف الهمم واحتاج الأمر إلى سند يجلب اهتمام المريدين».
وأقدم السلاسل الصوفية
المعروفة ما ذكر في ((الفهرست)) لابن النديم والتي تنتهي إلى الإمام علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه، وعنه أخذ الحسن البصري وعنهما تفرعت الطرق، غير أن فيه من أنكر اجتماعهما
فضلا عن أخذ الحسن البصري الطريق عن الإمام علي. وصحح جلال الدين السيوطي سماع الحسن
عن الإمام علي كرم الله وجهه.
خصائص الطريق:
أولا: لبس الخرقة
من أهم خصائص الطريق
الصوفي ومميزاته لبس الخرقة أو المرقعة، وهي عندهم رباط بين الشيخ والمريد، اعتراف
تام بالتصرف والتحكم من الشيخ في المريد، وعلامة تميز الصوفي عن غيره من الناس وأمر
مشائخ الصوفية مريديهم بها التزموا هم أيضا بها.
وليس المقصود من
لبس الخرقة، أن يلبس المجيز المجاز جبة، وإنما المقصود منه أن يجيزه في علم من العلوم
الصوفية. وشرط المجيز أن يكون مجازا من أستاذه في ذلك العلم، وهكذا إلى أن يصل السند
بالإجازة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. وشرط المجاز أن يكون قد أصبح ذا قابلية تامة،
بحيث يعتمد على مكانته في ذلك العلم. يقول الإمام السهروردي في ((عوارف المعارف)):
«لبس الخرق ارتباط بين الشيخ وبين المريد، وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه».
ودليلها من السنة
حديث أم خالد: «عن أبي إسحاق بن سعيد، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثتني أم خالد بنت خالدة
قالت: أتي النبـي عليه السلام بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال: «من ترون أكسو هذه؟»
فسكت القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بأم خالد»، قالت: فأتي بي
فألبسنيها بـيده فقال: «أبلي وأخلقي» يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر
وأحمر ويقول: «يا أم خالد هذا سناه».
والخرقة عتبة الدخول
في الصحبة، والمقصود الكلي هو الصحبة؛ وبالصحبة يرجى للمريد كل خير. وصفة الخرقة تختلف
من طريقة إلى أخرى ولكن مقصودها واحد ألا وهو أخذ العهدأو أخذ البيعة أو المبايعة على
شيخ الطريقة المرشد المربي الوارث المحمدي على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فبعض الشيوخ يلبسون
مريديهم العمامة، كالطريقة الشاذلية الدرقاوية حيث يلبس الشيخ بعد أخذ العهد مريده
عمامة بيضاء فيها حاشية صفراء، واختار الرفاعية لبس العمامة السوداء مرسلة الطرف واختارها
بعضهم بغير إرسال.... وبعض الشيوخ لا يلبسون شيئا وإنما يكتفون بالمبايعة اليدوية عند
أخذ العهد. وفي الطريقة النقشبندية حيث ينقش الشيخ بيده لفظ الجلالة على صدر المريد
مقابل القلب. وهكذا... والمهم في الموضوع هو صفاء القلب وطهارته من العلائقوالكدورات
والحجب وليس بالرسوم والصور والمظاهر...
ثانيا: الذكـر
وهو من أجل أسباب
السلوك والقرب وأعلى مناصب أولي الألباب، ومفتاح باب النفحات، وهو عندهم ركن الطريق
الأقوى، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام ذكره. والذكر في اللغة هو:«ما ذكرته بلسانك
وأظهرته» وجاء في محيط اللغة ما يلي: «هو من جري الشيء على لسانك».ّ
أما في الاصطلاح
فهو: «التلفظ بالشيء، ويجمع على أذكار، وهي الألفاظ التي ورد الترغيب فيها.». واستدلوا
عليه بقوله تعالى: ((أذكروا الله ذكرا كثيرا)) [الأحزاب: 41]،: ((الذين يذكرون الله
قياما وقعودا وعلى جنوبهم)) [آل عمران: 191]. وقوله
وفوائد الذكر كثيرة
ومتعددة منها: أنه يوقد نور البصيرة ويحقق الأنس بالحق، ويطرد الغفلة، ويعمر الباطن،
ويقطع حظوظ النفس، وينور القلب والسريرة، ويورث المعرفة بالله والهيبة له. وهي الفوائد
التي ذكرها ابن القيم في كتابه القيم ((مدارج السالكين)).
ثالثا: السمـاع
يعتبر الصوفية أن
السماع الصوفي من أجمل ما أنتجته هذه الأمة من فن ونشيد كله، ينشد معناه في كتاب الله
تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كتعبير عن صفاء القلوب وذوقها لحلاوة التوحيد
الذي يربطها بعالم الذر والتجريد.
والسماع أنشودة
محركة ومؤثرة يفترض أن تؤدي إلى الإتحاد الوجداني مع الوجود أو على الأقل إلى اتصال
متوتر. والأصل في السماع ما يدل على عموم الغناء والموسيقى، وقد استقر مفهومه عند الصوفية
على ما يعني القصائد والمولديات والمقطعات الشعرية المديحية التي يتناشدها المسمِّعون
بأصواتهم على أساس الأنغام و»الطبوع» المتداولة في الموسيقى وذلك دون مصاحبة آلية.
وأول من وضع هذا
الشكل من العبادة الجماعية هو الصوفي الشهير ذو النون المصري وبلغت أوجها في عهد الدراويش
الدوارين أيام جلال الدين الرومي وانتشرت بعد ذلك في العالم الإسلامي كله.
ولا خلاف أن الأشعار
أنشدت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سمعها ولم ينكر عليهم في إنشادها.
«وقد سمع السلف والأكابر الأبيات بالألحان فمن قال بإباحته من السلف: مالك ابن أنس،
وأهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء وأما الحداء فإجماع منهم على إجازته».
رابعا: الكرامـة
والكرامة في الاصطلاح:
هي «أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر
الصلاح ملتزم متابعة نبيّ كلف بشريعته، مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح علم بها
أو لم يعلم». وإن كنا نذهب إلى القول أن أعظم كرامة يمنحها الله لعبد من عباده هي كرامة
الهداية والتوفيق في عمله وحياته. يقول الإمام النووي: «اعلم أن من أجل الكرامات التي
تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعة والعصمة عن المعاصي والمخالفات».
وكرامات الأولياء
ثابتة بالقرآن والحديث وما تواتر من أخبار على مر العصور والأزمان:
من القرآن الكريم:
قال تعالى: ((ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون،
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم))
[يونس: 62 ـ 64]، وقال أيضا ((وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف
ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا، وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم
ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال)) [الكهف 16، 17]....
من الحديث: ما ورد
في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الصالح جريج الذي أكرمه الله
بأن أنطق له غلاما في المهد، وخبر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلىغار فدخلوه فسدت عليهم
الغار صخرة فأكرمهم الله بأن نجاهم بصالح أعمالهم، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
«رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»، وقوله أيضا عن ربه أنّه
قال: «...فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها».
ومن الأثر عن أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح أنه قال: يا سارية الجبل الجبلَ في حال خطبته
يوم الجمعة، وتبليغ عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل
تلك الساعة، وقال الطحاوي: «ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم».
نشأة الطرق الصوفية
من منتصف القرن
الثالث الهجري، شرع الصوفية في تنظيم أنفسهم طوائف وطرقا يخضعون فيها لنظم خاصة بكل
طريقة، وكان قوام هذه الطرق طائفة من المريدين يلتفون حول شيخ مرشد يسلكهم ويبصرهم
على الوجه الذي يحقق لهم كمال العلم وكمال العمل، كما نجد ذلك في بغداد في العصر العباسي
الأول عند فرقة «السقطية» نسبة إلى السري السقطي و»الطيفورية» نسبة إلى أبي زيد طيفور،
و»الخرازية» نسبة إلى أبي سعيد الخراز و»المحاسبية» نسبة إلى الحارث المحاسبي.... ،
وقد كانت تمثل البدايات الأولى واللبنات الأساسية التي قامت عليها الطرق فيما بعد،
لأنها لم تعرف ذلك النظام والترتيبات التي وجدت فيما بعد.
ومع تطور التصوف
العملي وانتشار الظاهرة الصوفية لدى الأوساط الشعبية، حيث كثر عدد الأتباع والمريدين،
والتف المريدون حول الشيخ ونسجوا حوله هالة من التقديس والتبجيل، بدأت تظهر الطرق الصوفية
بشكلها المتعارف عليه الآن. ولقد كانت هذه الطرق في نشأتها الأولى في القرنين الثالث
والرابع تدل على أحوال الصوفية وسلوكهم، ثم أصبحت تدل فيما بعد على نظام من الرياضات
والمجاهدات الصوفية تميز به كل طريقة.
ويمثل القرن السادس
الهجري (الثاني عشر الميلادي) البداية الفعلية للطرق الصوفية حيث ظهرت الطريقة القادرية
المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، (ت 561هـ)، التي عرفت انتشارا واسعا في العالم الإسلامي،
وظهرت الطريقة المدينية نسبة لأبي مدين الغوث (ت594هـ)، كما ظهرت الطريقة الرفاعية
المنسوبة للشيخ أحمد بن علي الرفاعي (ت 540هـ).... وفي القرن السابع الهجري عم انتشار
الطرق الصوفية مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ولعل الاختلاف الوحيد
يكمن في الأوراد والأحزاب التي يرددها الأتباع، يقول أحد الباحثين: «إنها بذلك أشبه
بمدارس تتحد غايتها في التعليم وتختلف وسائلها باختلاف المعلم الذي يجتهد في أن يضع
لتلاميذه قواعد ورسوما خاصة يرى أنها أفضل في تعليمهم مع بقاء الغاية القصوى من الطريق
الصوفي».
ويعود الفضل في
نشأة الطرق الصوفية التي عرفها العالم الإسلامي إلى عاملين أساسين هما:
ـ إنشاء الخوانق
والربط: فقد ظهرت في القرن الثاني الهجري وفي عهد صلاح الدين الأيوبي شجع انشاء الزوايا
والخوانق، فوجد الصوفية في هذه المؤسسات الدينية المصدر والمنطلق الذي تنطلق منه الجماعة
الصوفية التي تخضع لشيخ واحد وطريق واحد، وتنتظم في سلك عبادة وأوراد معينة، وانتشرت
بواسطتها الحياة الروحية الجديدة، التي لم تكن معروفة من قبل. وأصبحت هذه الزوايا عبارة
عن مدارس ومراكز للتربية الروحية، يضاف إليها مع مرور الزمن مبادئ أخرى وأفكار جديدة،
عن طريق العلماء والشيوخ الذين التزموا بالإقامة بها والتدريس فيها، وقد يساهم الأتباع
كذلك في الإضافة والتعديل والتطوير.
ـ ظهور شخصيات صوفية
عملية: ظهرت شخصيات صوفية قامت بتأسيس هذه الطرق فيذكر لنا التاريخ أن التفاف الطلبة
والمريدين حول الشيخ عبد القادر الجيلاني والتزامهم بمنهجه وطريقته، هو الذي أدى إلى
ظهور الطريقة القادرية. ونفس الشيء يقال عن الطريقة المدينية بالمغرب الإسلامي، ثم
تفرعا بعد ذلك الطرق وتعددت بالنظر إلى شخصيات الشيوخ ومدى تأثيرها في الأوساط الشعبية:
الشاذلي، الرفاعي، البدوي.....
وكان كل شيخ يلقن
أوراده ومنهجه لشيخ آخر يرث طريقته من بعده، ويتولى بدوره تربية المريدين، وظهرت بعد
ذلك سلسلة الطريق، ومن هنا ظهرت سلسلة الطريق التي أضفت نوعا من القداسة والمهابة والرابطة
الروحية. ومن هنا وجدت الطرق الصوفية التي عرفت هذا الانتشار الواسع والتأثير البعيد
في أعماق المجتمع المسلم من المحيط الأطلسي إلى أراضي جنوب شرق آسيا البعيدة.
الطرق الصوفية في
الجزائر:
وجدت الطرق الصوفية
في الجزائر منذ عهد بعيد، في حوالي القرن السادس الهجري، إذ يمكننا التأريخ لها منذ
عهد أبي مدين الغوث، فهو واضع أول طريقة عرفت هنا بالجزائر وهي الطريقة المدينية، التي
نشرها في بجاية وضواحيها، وانتقلت إلى تلمسان ومنطقة الغرب الجزائري، ونجد فيها أبرز
ملامح الطريق الصوفي، من الذكر، وجوب الالتزام بشيخ معين في التربية، العهد، الخرقة،
وسلسلة الطريق... وبعد وفاة أبي مدين الغوث، كان جل المغرب الإسلامي على الطريقة المدينية،
من فاس إلى القيروان مرورا ببجاية وتلمسان.
يقول الشيخ عبد
الرحمن الجيلالي: «اشتهر من هذه الطرق بالجزائر على الخصوص ثمانية: القادرية، الشاذلية،
الخلوتية الرحمانية، التيجانية، العيساوية، الطيبية، السنوسية، العمارية».
وقد حازت هذه الطرق
الصوفية درجة رفيعة لدى طبقات المجتمع الجزائري بأسرها، وذلك بسبب مشاركتها في الحياة
اليومية للمجتمع وقيامها بأدوار عديدة هامة منها: الإرشاد والتوجيه، التعليم، الفصل
بين الناس في المنازعات، إصلاح ذات البين، الإيواء، الإطعام...
اكتسبت الطرق مع
مرور الزمن مكانة ودرجة رفيعة في أوساط الجماهير، لعبت أثنائها دور القاضي والمشرع
والمعلم والمصلح... وأصبحت بمثابة صوت الشعب وضميره الحي الذي يختزل الأبعاد والمسافات،
ويسعى دوما للوقوف إلى من منحهم هذه التجلة والاحترام.
وقد استطاعت هذه
الطرق الدينية أن تملأ الفراغ الثقافي والروحي وحتى السياسي الذي كانيعيش فيه الريف
الجزائري نتيجة انعزال الحكام وارتباط الفقهاء بالمدن، فكانت وسيلة تأطير قادرة على
جمع السكان وحفظ مصالحهم وتوجيههم لمقاومة الحكام أو التصدي للغزو الأجنبي باعتبار
ذلك جهادا مقدسا وواجبا دينيا.
وقد كانت الطرق
في الجزائر آنذاك تؤدي دور الأحزاب السياسية وتقوم بمهام المنظمات الاجتماعية بمفهوم
اليوم.
ولعل من أهم أسباب
نجاح الطرق الصوفية في الجزائر، هو مشاركتها الشعب في آماله وطموحاته، همومه وتطلعاته،
مشاركتها له في يومياته وتفاصيل الحياة العادية، في العادات والتقاليد، الأفراح والمآسي،
المناسبات الكبيرة منها والصغيرة، وما إليها. فتكونت تلك الرابطة القوية التي لا انفصام
لها، بين أهل الطرق والزوايا، والطبقات الشعبية والجماهير العريضة، وظلت العلاقة تنمو
وتتطور وتزدهر عبر القرون والعصور وعبر المواقف والأحداث.
نلمس هذا التلاحم
في المناسبات الدينية وفي الزيارات المتكررة للقبائل والأعراش لمزارات الأولياء والصالحين،
إذ هم رموز الطريق والدالون الحقيقيون على هذا الاتجاه، وفي تلبيتها النداء الموجه
من طرف شيوخ الزوايا والطرق، في ساعات المحنة والعسرة، إذا دعا الداعي إلى ذلك، وفي
ثورة الأمير عبد القادر وثورة الشيخ ابن الحداد أكبر دليل على صدق ما نقول.
ومن أهم عوامل نجاحها
في احتلال مركز الريادة في المجتمع الجزائري، هو بقاؤها بعيدة عن مراكز الحكم والسلطة
والقرار، بعيدا عن المؤثرات السياسية، وقد كان التصوف منذ نشأته بعيدا عن الخلافات
والصراعات السياسية العنيفة التي كانت تشهدها الدول الإسلامية في الفترات المختلفة
من تاريخ الحضارة الإسلامية.
فقد كانت الطرق
بمثابة النقطة التي تلتقي عندها جميع الأطراف، مركز الدائرة ومحور اهتمام الحكام والجماهير
على حد سواء، في الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية. وظلت وسيطا بين السلطة والشعب،
تسعى لقضاء مصالح الطبقات الكادحة المحرومة، وتعمل على معالجة أوضاع المسلمين بطريقتها
الخاصة، تعمل بصمت وبهدوء وإصرار، في الأرياف والقرى في المداشر والحواضر، على نصرة
المظلوم وإرشاد الضال ورعاية الفقراء والمساكين. وتسهم في بعث الحوار والنقاش حول أهم
القضايا، ولذا نلاحظ التجمعات الدورية، والمرافق في الزوايا الطرقية تحتوي دائما على
ساحات رحيبة للاجتماع والتحاور.
ومن أوائل الطرق
الصوفية في الجزائر:
الطريقة المدينية:
ظهرت الطرق الصوفية
قبل الوجود التركي في الجزائر ثم انتشرت وتطورت ونمت أثناء العهد التركي، وبنهاية هذا
العهد نجد أنها قد أمسكت بزمام الأمور، ولم يدخل المحتل الأجنبي حتى كانت الطرقية هي
سيدة الموقف في الجزائٍر، وأصبح لمشايخ الطرق والمرابطين نفوذ عظيم، ومكانة لا تساويها
مكانة عند الأهالي.
ويقول الدكتور أبو
القاسم سعد الله: «عدد الطرق الصوفية الفاعلة في الجزائر بلغ أكثر من ستة وعشرين طريقة
منها فقط حوالي أربعة أنشئت في العهد الاستعماري، كالسنوسية والعليوية، والباقي كان
موجودا منذ العهد العثماني. ومن هذا العدد ما هو مؤسس في المغرب كالطيببية والعيسوية
والدرقاوية، وما هو مؤسس في المشرق كالقادرية».
أول ما عرفت الجزائر
من الطرق الطريقة المدينية، التي أسسها الشيخ أبو مدين الغوث (ت 594هـ= 1199م)، وهي
ليست فرعا من فروع الطريقة القادرية، بل طريقة أصيلة نشأت وتطورت في المغرب الأوسط
بعيدا عن تأثيرات الطريقة القادرية بل كانتا متعاصرتين في النشأة.
تنسب المدينية إلى
أبي مدين الغوث، «لسان الطريقة الصوفية ومحييها ببلاد المغرب»، وشيخ مشائخ المغرب،
وأحد أكابر عباده في وقته. ويعتبر أشهر ممثل للتيار الصوفي السني في بلاد المغرب الإسلامي
ككل، واسمه شعيب بن الحسين الأنصاري، بدأ رحلته في طلب العلم بمغادرة الأندلس ونزل
إلى حواضر المغرب، أين طلب العلم، واستقر لسنوات طويلة بفاس، حيث أخذ بها العلم والتصوف.
قضى أبو مدين سنين
عديدة بفاس، ثم تحول إلى المشرق أين اطلع على النظريات الصوفية وتعاليم كبار المشائخ.
والتقى بالشيخ عبد القادر الجيلاني، وفي طريق عودته استوطن مدينة بجاية، وكانت تحت
سلطة الموحدين، قضى بها أكثر من خمسة عشر عاما، وكان يدرس بها بعض كتب التصوف كالرسالة
القشيرية والمقصد الأسنى للغزالي. وذلك بزاويـة أبي زكريا الزواوي بحـومة اللؤلؤة.
ونشر بها مذهبه الصوفي المبني على الجلوس مع الله على ما يفتح عليه، والذكر الجهري
لاسم الجلالة، والأخذ بالأشد على النفس، ودخول الخلوة بالذكر. وهو ما اشتهر بالطريقة
المدينية فيما بعد، والتي ظلت قائمة إلى يوم الناس هذا، وانتسب إليها العديد من العلماء
والفقهاء والصوفية.
لما اشتهر أمره
وشى به بعض علماء الظاهر عند الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي (ت 595هـ) (وهو
الذي اضطهد العلماء والمفكرين، وأصابتهم في عهده محن شديدة، فاتهم ابن رشد في عهده
بالزندقة، وحوكم سنة 591هـ)، فبعث إليه للقدوم ليختبره، ولما بلغ وادي يسر من حوز تلمسان
لاحت له «رابطة العباد» فقال لأصحابه: «ما أحلى هذا الموضع للرقاد، فتوفي هناك، ودفن
بالعباد».
والتصوف عند أبي
مدين هو تسليم كلك لله وحده، وهو الطريق الموصل إلى معرفة الله U، ويجب لبلوغ هذه الغاية
قطع كل العلائق فيقول: «من عرف أحدا لم يعرف الأحد». وهو عنده لا يكون إلا بعد تحصيل
العوم الشرعية، «من اكتفى بالتعبد دون فقه خرج وابتدع ومن اكتفى بالفقه دون ورع اغتر
وانخدع، ومن قام بما يجب عليه من الأحكام تخلص وارتفع». وكان يقول: «قيد نفسك بقيود
الورع وأطلق قلبك في ميدان العلم».
ومبنى طريقته على
الزهد والتوكل، وقد وصف من قبل الذين ترجموا له بأنه كان زاهدا فاضلا عارفا بالله،
وأقام مدرسته على هذا الأساس، وجل من انتسب إليه يعتبر من الزهاد. ومن أقواله في هذا
المجال: «المريد إذا أتاه شيء من الدنيا أخذه بالعلم والرضا ودفعه بالزهد والسخاء وكان
بينهما في خطر».
وجمع الشيخ أبو
مدين بين أفكار المدارس الصوفية الثلاث: التصوف المغربي، التصوف الأكاديمي المشرقي،
التصوف الأندلسي ابن العريف ومدرسته.
استمرت طريقته قائمة
في بجاية وغيرها من المدن المغربية. واستمرت في بجاية ممثلة في محمد بن علي الصنهاجي
القلعي (ت628هـ)، ومحمد بن إبراهيم الأنصاري أبو علي منصور الملياني، كانوا يقيمون
مع عدد من تلامذة أبي مدين في رابطة ابن الزيات ببجاية يؤدون فيها أورادهم .
أخرج أبو مدين التصوف
من داخل حواضر المغرب الأوسط كقلعة بني حماد وبجاية وتلمسان وقسنطينة وبونة أواخر القرن
السادس الهجري إلى البوادي والأرياف، وبهذا يكون قد فتح باب التصوف الشعبي على مصراعيه
أمام العامة.
ومن أشهر تلامذته:
عبد الرزاق الجزولي، عبد السلام بن مشيش، يوسف الكومي شيخ ابن عربي، محمد بن علي بن
حماد الصنهاجي، ونقلوا فكره وطريقته إلى مختلف الأقطار التي حلوا بها مثل المغرب والأندلس
ومصر وبلاد الشام، فانتشرت في مناطق عديدة من العالم الإسلامي، وعرفت نهضة كبرى في
عهد عبد السلام بن مشيش (ت 665هـ) ثم ازدادت نشاطا على يد أبي الحسن الشاذلي، شيخ الطائفة
الشاذلية، والذي نسبت إليه الطريقة فيما بعد.
الطريقة الزروقية
تنسب إلى الولي
الصالح العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي المعروف بـ «زروق» (ت
899هـ= 1494م)، وهي طريقة صوفية سنية اشتهرت في المغرب الإسلامي، وتفرع عنها ثلاثة
عشر فرعاً تعتبر امتداداً لها، وانتشرت في مصر والحجاز ولبنان وفلسطين وجزيرة رودس
وتشاد والنيجر...
ولد أحمد زروق سنة
846هـ= 1443م، اهتم بطلب العلم فتتلمذ على الشيخ علي السطي، والشيخ عبد الفخار والقوري
... ثم اشتغل بالتصوف والتوحيد، فأخذ الرسالة القدسية وعقائد الطوسي على الشيخ المجدولي،
وصحب بعد ذلك جماعة من الفقراء والصوفية.
درس بزاوية يحي
العيدلي بـ»تمقـرة» ببلاد القبائل، وتتلمذ على الشيوخ بالجزائر: عبد الرحمن الثعالبي،
أحمد بن عبد الله الزواوي، إبراهيم التازي، المشدالي، الحافظ التنسي... وبالمشرق على
جماعة منهم: النور السنهوري، الحافظ الدميري، الحافظ السخاوي.....
تولى التدريس مدة
طويلة بزاوية يحي العيدلي التي تخرج منها. وكون مدرسة ببجاية أيضا، وكان من أبرز تلامذته
بها الشيخ أحمـد بن يوسف الملياني، وأحمـد بن محمد»بن خدة»الراشدي أحد أجداد الأمير
عبد القادر، ومحمد الأخضري والد عبد الرحمن الأخضري، وغيرهم، وانتشر بواسطتهم مذهبه
الصوفي وطريقته الزروقية الشاذلية. كما أخذ عنه من المشارقة الشهاب القسطلاني والشمس
اللقاني والحطاب الكبير وآخرين.
يعتبر الشيح أحمـد
زروق من زعماء الإصلاح والتربية في الطريق الصوفي، فعندما وصل إلى بجاية وجد كثيرا
من المبتدعة الذين تقمصوا أثواب الصلاح والولاية وكونوا طرقا منحرفة عن الدين، فتصدى
لمحاربتهم، وألف كتابه الشهير ((قواعد التصوف)) ثم ((أصول الطريقة)) لضبط التصوف وتصحيح
الصورة وإبعاد هؤلاء الأدعياء عن هذا الميدان.
انتقل في العشر
سنوات الأخيرة من عمره إلى ليبيا، وتوفي رحمه الله بـ»تكرين» من قرى مسراته بليبيا
في صفر عام 899هـ= 1494م. وترك ورائه العديد من المؤلفات أغلبها في التصوف منها: شرح
الحكم العطائية. شرحان على حزب البحر، شرح الحقائق للمقري، النصيحة الكافية لمن خصه
الله بالعافية، إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين، القواعد في التصوف،
وهذه الثلاثة كما قال ابن مريم:»في غاية النبل والجلالة في موضوعها لم يؤلف مثلها».
أصول طريقته خمسة
أشياء: تقوى الله في السر والعلانية، إتباع السنة في الأقوال والأفعال، الإعراض عن
الخلق في الإقبال والإدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله
تعالى في السراء والضراء، فتحقيق التقوى بالورع والاستقامة، وتحقيق السنة بالتحفظ وحسن
الخلق، وتحقيق الإعراض عن الخلق بالصبر والتوكل، وتحقيق الرضا عن الله بالقناعةوالتفويض،
وتحقيق الرجوع إلى الله بالحمد والشكر في السراء واللجأ إليه في الضراء.
تفرعت عن الطريقة
الزروقية ثلاث عشرة طريقة صوفية خلال الخمسة قرون الماضية، ومن هذه الطرق: البكرية،
العيساوية، الراشدية، السهلية، الشيخية، والناصرية، الدرقاوية،نية. والمد
الطريقة اليوسفية
تنسب إلى الشيخ
الولي الصالح أبو العباس سيدي أحمـد بن يوسف الراشدي نسبا الملياني دارا (ت 931هـ=
1524م)، وهو من أعيان مشائخ المغرب العربي، وأحد أوتاد التصوف الإسلامي، وانتهت إليه
تربية المريدين ورئاسة السالكين بـ»البلاد الراشدية» والمغرب بأسره، واشتهر ذكره في
الآفاق شرقا وغربا.
ولد بقلعة بني راشد
التي تقع بين غليزان ومعسكر، تنتمي أسرته إلى بني مرين. وأخذ عن علماء تلمسان ووهران،
ثم انتقل إلى بجاية أين تتلمذ للشيخ زروق، عارض الملياني الحكم المريني معارضة شديدة،
وذلك بسبب تحالف المرينيين مع الأسبان، واتصل بالأتراك، وساعدهم على مقاومة الأسبان.
أسس زاويته بـ
«رأس المـاء» بوادي الشلف، وكون فيها المريدين. اتصل بعلماء عصره مثل الخروبي والخياط
وغيرهما. زار المشرق وتعرف على علمائه الكبار، ثم عاد إلى وطنه وراسل العلماء في تلمسان
وفاس والقاهرة ودمشق...
أخذ عنه أحمد بن
علي البوعمراني، محمد الشريف الزهار، أحمد بن المبارك الراشدي، محمد الصباغ... وغيرهم.
وعم نفوذه الصحراء الجزائرية والمغرب الأقصى، وانتشرت طريقته اليوسفية الشاذلية واشتهرت،
وكون عدد من أتباعه جماعة تسمى بالشراقة أو اليوسفية، وقد انحرفوا عن الدين فعاب عليه
الفقهاء، إلا أن الملياني تبرأ منهم وقاومهم.
توفي الشيخ أحمـد
بن يوسف في سنة 931هـ= 1524م، ودفنه ابنه محمد بن مرزوقة في مدينة مليانة. ونشر طريقته
اليوسفية كبار تلامذته كالشيخ أحمـد بن المبارك الراشدي (ق 10هـ= 16م)، والشيخ أحمـد
بن موسى الحسني «الكرزازي» (ت 1016هـ= 1608م)، محمد بن عبد الجبار الفجيجي....
الطرق في الجزائر
أثناء العهد التركي
انضمت الجزائر إلى
الدولة العثمانية في بداية القرن السادس عشر، وذلك بفضل مجهودات «عروج» وأخيه «خير
الدين»، وكانت سواحل إفريقيا الشمالية بيد البرتغاليين والأسبان، وأدى ذلك إلى اصطدامهم
بالأخوين المذكورين، ولما استشهد عروج أثناء حربه مع الأسبان في ضواحي تلمسان بعد سنتين
من فتحه للجزائر أي عام 1516م، أصبح خير الدين بربروس الحاكم الوحيد في الجزائر، وكان
بربروس ذكيا كما كان بعيد النظر، فألحق الجزائر بالدولة العثمانية سنة 1520م.
كانت الحياة الثقافية
تعاني من الركود. قبل مجيء الأتراك كانت معظم المدن الجزائرية تعرف حركة ثقافية دينية
نشطة، وكانت مدن تلمسان ووهران وقسنطينة من أهم المراكز العلمية والثقافية بالبلاد.
كان لبعض الحكام
الأتراك أياد بيضاء في تشجيع بناء المساجد والمدارس مثل الباي محمد الكبير. كانت طرق
التدريس المتبعة هي الطرق التقليدية الكلاسيكية. لم تحدث نهضة علمية تواكب ما يحدث
في أوربا من حركة علمية. العالم الإسلامي بأسره كان يعيش فترة من الركود والانحطاط
لم يعرف لها مثيل.
ومن أشهر الطرق
في العهد التركي:
الطريقة القادرية
ممثلة في زاوية
كنتة من أبرز رجالاتها: الشيخ المختار الكنتي (ت 1826م)، قدر أتباعها في نهاية القرن
التاسع عشر: 24 ألف مريد، 558 مقدم، 33 زاوية.
كما مثلتها زاوية
القيطنة على وادي الحمام التي أسسها الحاج مصطفى بن المختار الغريسي (جد الأمير عبد
القادر) (ت 1200هـ= 1784م)، وتولى أمرها والد الأمير عبد القادر الشيخ محيي الدين،
ثم خلفه بعد وفاته ابنه الأكبر الشيخ محمد العيد (أخو الأمير الأكبر). قادت المقاومة
في بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر بزعامة الشيخ محي الدين بن مصطفى الغريسي وابنه
الأمير عبد القادر الجزائري، وتعاونت معها بقية الطرق من (رحمانية درقاوية طيبية شيخية...).
وبعد انتقال زعمائها
إلى فرنسا والمشرق تفرعت في شكل قيادات صغيرة واصلت مهمة الجهاد: سيدي محمد بن عودة
في نواحي غليزان، محمد الطيب في ورقلة، ابن النحال في قالمة..... الشيخ إبراهيم بن
أحمد أسس زاوية نفطة القادرية، زاوية الكاف بتونس أسسها الشيخ محمد المازوني....
الطريقة الكرزازية:
من فروع الطريقة
الشاذلية، نسبة إلى الشيخ أحمد بن موسى الحسني الشريف، مولى كرزاز، يتصل نسبه بالولي
الصالح عبد السلام بن مشيش. ولد سنة 907هـ= 1505م، وعاش إلى أن تجاوز المائة إذ توفي
سنة 1016هـ، اشتهر بالعلم والصلاح والشرف، وأخذ عهد الطريقة الشاذلية اليوسفية عن الشيخ
أحمـد بن يوسف الملياني، وعن خليفته فيما بعد الشيخ محمـد بن عبد الرحمن السهيلي، وصار
مقدما للطريقة بالمنطقة الغربية.
أضاف إلى أوراد
الطريقة الشاذلية قراءة البسملة 500 مرة بعد أذكار صلاة الصبح، واشتهرت باسم الطريقة
الكرزازية أو الأحمـدية نسبة إليه، وعرفت شهرة واسعة بالمنطقة وامتد نفوذها إلى مختلف
المناطق المجاورة، وأكثر أتباعها في حميان وتلمسان وعين تموشنت....وذلك لمجهودات المؤسس
في التعليم والإكرام والإصلاح، إذ كانت تقوم بنشر العلم بواسطة زاويته التي أنشأها
بكرزاز، وحماية الطرق من اعتداء اللصوص. كانت على صلة وثيقة مع الطريقة الزيانية التي
أسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن القنادسي»بوزيان».
توفي الشيخ أحمد
بن موسى سنة 1016هـ= 1608م بكرزاز ودفن بزاويته.
الطريقة الشيخية:
فرع من فروع الشاذلية،
تنسب إلى الولي الصالح الشيخ عبد القادر بن محمد (سيدي الشيخ) بن سليمان بن أبي سماحة
المتوفى سنة 1025هـ= 1616م، والذي يرتقي نسبه إلى سيدنا أبو بكر الصديق، نزحوا من مكة
في وقت غير معروف، إلى تونس لأسباب دينية وسياسية، ومن تونس خرج جدهم غاضبا لأسباب
عائلية، وذهب إلى الصحراء واستقر بالبيض بعيدا عن الخلق، وهناك أسس زاويته المعروفة،
وتوارث أبناؤه تراثه في آخر دولة بني زيان واحتلال الأسبان.
أما والد الشيخ
عبد القادر فهو محمد بن الولي الصالح العلامة المحدث الفقيه الشيخ سليمان بن أبي سماحة
دفين بني ونيف، (ت 946هـ= 1540م).ّ
تعلم القرآن والفقه
ومبادئ العربية على يد عدة فقهاء بفجيج وعندما شب وترعرع تأثر بالصوفية وعلومها، فسلك
في البداية الطريقة القادرية، ثم تحول إلى الطريقة الشاذلية التي أخذها عن الشيخ أحمد
بن موسى الكرزازي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن السهيلي، وبعد سلوكه أمره شيخه السهيلي
بالتنقل إلى بلدة فجيج، وهناك أنشأ زاوية أطلق عليها اسم «العباّد» تيمنا بالعباد ضريح
الشيخ أبي مدين الغوث، وقصده الناس من جهات عدة، وأصبح يدعى «سيدي الشيخ»، واتسعت شهرته
اتساعا عريضا وبلغت آفاق الدنيا.
أن زاوية الشيخ
عبد القادر السماحي قامت على قاعدة بشرية عريضة جدا، غطت جميع الشرائح الاجتماعية المتفاعلة
في فجيج وامتداداتها، بل إن شهرتها تجاوزت هذه الحدود إلى تافلالت وتادلا، وأقصى جنوب
المغرب، وتعدتهما إلى خارجه ـ والأهم ـ أيضا ـ أنها كانت أكثر تنظيما من أي زاوية في
المنطقة.
استقر أخيرا في
«مغرار التحتاني»، وأنشأ زاوية هناك، وكانت وفاته ببلدة «ستيتن» سنة 1024هـ= 1616م،
ودفن بالحاسي الأبيض الذي حمل منذ هذا التاريخ اسم الأبيض سيدي الشيخ، وأنشأ خلفه زاوية
هناك عرفت شهرة كبيرة في ظرف وجيز، وأصبحت هي الزاوية الأم للطريقة الشيخية.
والطريقة الشيخية
هي طريقة إسلامية سنية صوفية، تحث على طاعة الله عز وجل والالتزام بالسنة المطهرة،
وهي طريق قويم وصراط مستقيم تهدي إلى السبيل والهدى، جامعة بين الشريعة والحقيقة، مبناها
على طلب العلم، واحترام العلماء والفقهاء والفقراء، وكثرة ذكر الله تعالى مع الحضور،
إذ هي من أقوم وأبسط وأنفذ وأقرب الطرق الصوفية إلى الله عز وجل، فمن سلكها وصل إليه
تعالى مصحوبا بالسلامة محفوفا بالكرامة، لأنها متمسكة بآداب الشريعة التي تحث على فضيلة
الوسط بلا مجاهدة ولا كثرة الجوع، ولا كثرة السهر ولا طقوس.
والزاوية المركزية
الأم الكبرى تقع ببلدية الأبيض سيدي الشيخ، وهي التي بها ضريح سيدي الشيخ المؤسس. وتنتشر
الطريقة الشيخية بين عدد كبير من المريدين بالمغرب العربي وأوربا، أينينتشر أولاد سيدي
الشيخ والقبائل التابعة لها: كالشرفاء، المهاية، العكارمة، احميان، العمور،أولاد جرير،
بني مطهر، بني كيل، القرارشة، الشعانبة، الأغواط، البرابر، أولاد سيدي أحمد المجدوب،
وغيرهم من القبائل. ومما يميز أتباع الطريقة الشيخية أنهم يحملون سبحة تتميز بوجود
حبة من المرجان بعد حبة السبحة الخمسين، إن سبحة أي مريد في الطريقة الشيخية، شعاره
المرجانة.
الطريقة الطيبية:
من فروع الطريقة
الشاذلية، أسسها مولاي عبد الله بن إبراهيم الشريف (ت 1089هـ) من أشراف المغرب بمدينة
وزان، ولما توفي تولى ابنه محمد مشيخة الزاوية وبعده تولى الطريقة محمد ثم أخوه مولاي
الطيب، الذي ظل على رأس الطريقة من سنة 1127هـ إلى 1181هـ. وصارت تنسب إليه.
من أهم مصادرها:
تحفة الإخوان بمبادئ مناقب شرفاء وزان، لحمدون بن محمد الفاسي، وكتاب الكوكب الأسعد
لمحمد بن محمد المكناسي.
انتشرت في المغرب
الأقصى، وفي سهول الناحية الوهرانية وكذلك في منطقة طرارة الجبلية. وقد استطاع شيوخ
هذه الطريقة أن يكتسبوا تأييد ومساندة قبائل المخزن الوهراني (الدوائروالزمالة). مركزها
في القطر الجزائري مدينة وهران، وبلغ عدد أتباعها في الجزائر سنة 1956 حوالي 50 ألف
شخص.
الطريقة التيجانية:
أسسها سيدي أحمد
بن المختار بن سالم التجاني (ت سنة 1230هـ) من أهم الطرق التي شدّت انتباه الناس إليها،
لأنها كانت من بين الطرق التي ثارت في وجه الوجود العثماني. اتخذت طابعاً حضرياً لتركزها
في عين ماضي وقصور الصحراء، وهذا ما ساعدها فيما بعد على الانتشار عن طريق التجارة
في واحات الصحراء وبلاد السودان، لكنها لم تستطع التوسع شمالاً حيث التجمعات الكثيفة
من السكان لحذر القادرية منها ولعداوة درقاوة لها ولمواجهة باي وهران لشيوخها في أول
محاولة لهم للتركز في التل الوهراني. فاضطر مؤسسها سيدي التجاني إلى التحول إلى فاس
(1798م)، فحظي برعاية سلطان المغرب مولاي سليمان.
تجدد نشاط الطريقة
التجانية في الجزائر بعد موت مؤسسها في فاس سنة 1815م ورجوع خلفه إلى عين ماضي، فعرفت
انتشاراً جعل حكام الجزائر يتخوفون منها، فتعرض مركز الطريقة بعين ماضي لمهاجمة باي
التيطري ثم لحملة باي وهران، مما اضطر أتباع التجانية إلى الرد على هذه الاستفزازات
بمهاجمة مدينة معسكر بتشجيع من قبيلة هاشم، عندها تمكن باي وهران حسن بن موسى من القضاء
على شيخ الطريقة محمد التجاني والعديد من أتباعه.
الطريقة الدرقاوية:
تنتسب إلى الشيخ
محمد العربي الدرقاوي (ت 1823م)، وتتميز من الطريقة الشاذلية بالدعوة إلى جمع كلمة
المسلمين على مبادئ بسيطة في التصوف وصرفهم عن مغريات الحياة وحثهم على تفادي وتجنب
أصحاب السلطة، وتربيتهم على الطاعة لشيوخهم وبث الحماس في نفوسهم لمواجهة الخصوم. وقد
وجدت هذه الطريقة أتباعاً كثيرين في الجهات الوسطى والغربية من البلاد الجزائرية بإقليم
التيطري والناحية الوهرانية، وكان لدعاتها دور مهم في الأحداث التي عاشتها الجزائر
في مستهل القرن التاسع عشر، بعد أن نجح كل من ابن الأحرش في شمال قسنطينة وعبدالقادر
الشريف بالناحية الوهرانية في إثارة السكان ضد السلطة المركزية،
أعلن أتباع الطريقة
الدرقاوية الثورة ضد الأتراك بزعامة مقدم الطريقة عبد القادر بن الشريف الدرقاوي بالغرب
الجزائري، فاتخذت حركتهم طابع انتفاضة شعبية وحركة وطنية محلية استطاعت فيها جموع القبائل
مواجهة قوات البايليك وإلحاق الهزيمة بفرق الإنكشارية في عدة معارك أهمها معركة فرطاسة
في صيف عام 1805م، وبذلك سيطروا لبعض الوقت على مجمل الريف الوهراني من الحدود المغربية
إلى نواحي مليانة، واستولوا على مدينتي معسكر ومازونة وفرضوا الحصار على مدن تلمسان
ووهران ومستغانم. وهذا ما تطلب من البايات الذين تعاقبوا على حكم الناحية الوهرانية
بذل جهود مستميتة لإخماد حركة عصيان درقاوة وإرغام زعيمها عبد القادر بن الشريف على
القبول بالهزيمة والتحول إلى المغرب الأقصى (1818م)، لتنقطع أخباره بواحة الفقيق.
***منقول منتدى
بستان العاشقين*** Admin في الثلاثاء
مايو 03, 2011 9:42 pm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق