المعالم والمواقع الإسلامية التاريخية :
جبال مكة المكرمة :
تشتهر مكة المكرمة بكثرة جبالها حيث تتصف بأنها منطقة جبلية ، ونظراً لكثرة هذه الجبال كان لبعض منها مسميات تعرف بها . فهي إما تنسب إلى أشخاص عاشوا عليها ، وإما لوقوع حوادث إسلامية وتاريخية فيها .
جبل النور " غار حراء":
يقع جبل النور شرقي المسجد الحرام إلى الشمال، ويطل على طريق العدل وسمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه ، حيث كان النبي يخلو فيه بنفسه ليعبد الله قبل البعثة في غار حراء . ويبلغ ارتفاع هذا الجبل 642 متراً ، وينحدر انحداراً شديداً من 380 متراً حتى يصل إلى مستوى 500 متر ، ثم يستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته خمسة كيلو مترات و 250 متراً مربعاً وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل .
جبل ثور:
ويقع جبل ثور جنوب المسجد الحرام بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً ، ويشرف على حي الهجرة ، ويعتبر من الجبال المعروفة نظراً لما يتمتع به من مكانة تاريخية حيث يوجد فيه الغار الذي اختبأ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه من مشركي قريش الذين أرادوا قتله ، ومنه هاجر هو وصاحبه سراً إلى المدينة المنورة. ويقال إن سبب تسمية جبل ثور بهذا الاسم أنه كان يعرف بجبل أطحل ، ولكن حين سكنه ثور بن عبد مناف نسب إليه ، ويقال أيضاً إنه يشبه ثوراً مستقبلاً الجنوب ، هو جبل مستدير الشكل نسبياً له عشر قمم مدببة ترتفع من قاعدته
غار و جبل حراء
غار حراء هو الغار الذي كان يختلي ويتعبد فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل البعثة , وهو المكان الذي نزل الوحي فيه لأول مرة على النبي صلى الله عليه واله وسلم وكذلك نزول اول آيات القران الكريم { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } , قال القسطلاني " وقد وقع شق صدره الشريف واستخراج قلبه مرة اخرى عند مجئ جبريل له بالوحي في غار حراء ..." اهـ , ثم قال " والحكمه من ذلك : ليتلقى النبي صلى الله عليه واله وسلم مايوحى اليه بقلب قوي , في اكمل الاحوال من التطهير" اهـ .
و يقع الغار في أعلى جبل حراء أو كما يسمى "جبل النور" أو "جبل الإسلام" . قال ابن الضياء " ويسمي هذا الجبل بعضهم جبل النور, ولعمري انه كذلك لكثرة مجاورة النبي صلى الله عليه واله وسلم وتعبده فيه , وماخصه الله فيه من الكرامة بالرسالة اليه ونزول الوحي فيه عليه , وذلك في غار حراء في أعلاه مشهور يأثره الخلف عن السلف – رحمهم الله – ويقصدونه بالزياره " اهـ , واما "جبل الاسلام " وذلك لنزول نور الدعوة الإسلامية فيه لأول مرة .
روى الازرقي بسنده الى انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم " لما تجلى الله عز وجل للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة اجبل فوقعت بمكة , وثلاثة اجبل فوقعت بالمدينة فوقع بمكة حراء وثبير وثور ووقع بالمدينة احد وورقان ورضوى "
قال الكردي " أما تاريخ بدء الوحي فإنه صلى الله عليه واله وسلم بينما كان يتعبد بغار حراء بمكة , إذ جاءه الوحي في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان للسنة الحادية والاربعين من ميلاد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وهو يوافق 6 اغسطس سنة 610 ميلادية , فيكون نحو39 سنة شمسية وثلاثة أشهر وثمانية ايام " اهـ
مطلب اختفاءه صلى الله عليه واله وسلم في جبل حراء
قال بن ظهيره " ذكر الازرقي ان النبي صلى اله عليه واله وسلم اختبأء فيه من المشركين , وكذا ذكره الفاكهي قال ايضا والمعروف أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يختبئ من المشركين الا في غار ثور , لكن يتأيد ماذكر بما قاله القاضي عياض والسهيلي في روضته : ان قريشا حين طلبوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان على ظهر ثبير, فقال له اهبط عني يارسول الله فاني اخاف ان تقتل وانت على ظهري , فيعذبني الله تعالى فناداه حراء الىَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . وجمع القاضي تقي الدين رحمه الله فقال : ان صح اختفاؤه صلى الله عليه واله وسلم بحراء فهو غير اختفاؤه بثور, والله اعلم فيكون في حراء اولا وفي ثور حين الهجرة " اهـ
قال ابن الضياء " وقال السهيلي في حديث الهجرة : وأحسب في الحديث ان ثورا ناداه ايضا لما قال له ثبير اهبط عني " اهـ
مطلب في سر اختيار النبي صلى الله عليه واله وسلم غار حراء بالخلوة والعباده
قال ابن الضياء " وأورد ابن ابي جمرة سؤالا وهو : أنه لم اختص صلى الله عليه واله وسلم بغار حراء فكان يخلو فيه ويتحنث دون غيره من المواضع ولم يبدله في طول تحنثه ؟ وأجاب عن ذلك بأن هذا الغار له فضل زائدعلى غيره من قبل أن يكون فيه منزويا مجموعا لتحنثه وهو يبصر بيت ربه والنظر الى البيت عبادة , فكان له اجتماع ثلاث عبادات وهي الخلوة والتحنث والنظر الى البيت , وجميع هذه الثلاثة اولى من الاقتصار على بعضها دون بعض , وغيره من الاماكن ليس فيه ذلك المعنى , فجمع له صلى الله عليه واله وسلم في المبادى كل حسن بادى " اهـ
قال ابن ظهيرة بعد ذكر خصوصية هذا الموضع " أقول : وفيما ذكر نظرلان غيره من الجبال يتأتى فيه ماذكر من اجتماع العبادات الثلاث كأبي قبيس مثلا ويزيد بقربه من البيت فكان اولى ان يتعبد فيه , وان كان المراد البعد من الناس لخلو البال في التعبد فالجبال البعيدة كثيرة اللهم الا ان يقال ان الغار الذي بحراء مستقبل الكعبة من غير انحراف , وليس غيره كذلك فله وجه , والاحسن ان يقال ان جبل حراء متعبد اجداده فاقتدي بهم في ذلك , والله الموفق" اهـ
قال الكردي " (فإن قيل) : فما حكمة ذهاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للتعبد في غاره , مع انه جبل يبعد عن الكعبة المعظمة بنحو أربعة كيلو مترات , ومع ان البيوت في ايام الجاهلية حول الكعبة بما لايتجاوز ن مائتي متر تقريبا , أي ماكانت البيوت تبلغ محلة المدعا من الناحية الشمالية , ومثلها من جميع الجهات , فلو أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذهب الى جبل ابي قبيس او الى جبل قعيقعان وهما اخشبا مكة , او الى جبل اجياد او الى جبل بقرب المعلا لكان ايضا بعيدا عن اعين الناس في ذلك الزمن ؟
(نقول): إن ذهاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى جبل حراء للتعبد في غاره قبل بعثته إنما هو بتوجيه من الله تبارك وتعالى فقط , لحكمة يعلمها جل جلاله , وايضا لقد اطلعنا أن بعض الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا اذا وصلوا الى مكة ذهبوا الى هذا الجبل للتعبد , مع العلم بأن الملائكة الكرام عليهم السلام , كانوا يأخذون الحجارة من هذا الجبل فيرمونها في اساس الكعبة المعظمة عند بنيانهم لها لاول مرة قبل ادم عليه الصلاة والسلام فأساس الكعبة الى تخوم الارض هو من خمسة جبال منها جبل حراء" اهـ
مما روى في فضل حراء
قال الكردي " وقد ورد ذكر حراء في بعض الاحاديث الصحيحة (فمن ذلك) ماجاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه " جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت , فنظرت امامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم ار احدا , ثم نوديت فنظرت فلم ار احدا , ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء , يعني جبريل عليه السلام , فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت : دثروني فدثروني فصبوا علي ماء فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } .
(ومنها ) ماجاء في الصحيحين ايضا عن جابر رضي الله عنه " بينا انا امشي اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت راسي فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والارض , فجئت منه فرقا فرجعت فقلت : زملوني زملوني , فدثروني فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }
(ومنها) ماجاء في صحيح البخاري في اول الجزء الاول منه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت ( اول مابدئ به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم , فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح , ثم حبب اليه الخلاء , وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه , وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك , ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ , قال ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني , فقال : اقرأ , فقلت ما أنا بقارئ , فأخذني فغطني الثالثة ثم ارسلني فقال { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } , فرجع بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يرجف فؤاده , فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال : زملوني زملوني , فزملوه حتى ذهب عنه الروع , فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي , فقالت خديجة : كلا والله مايخزيك الله ابدا , إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ... الى اخر الحديث .
(ومنها) ماجاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه " أُسكن حراء فما عليك الا نبي او صديق او شهيد " . وعليه النبي عليه السلام وابو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص , ويروى " اهدأ" وعليه ابوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير" . قال في كتاب " مبارق الازهار في شرح مشارق الانوار " : يعني روى بعض الرواة لفظ اهدأ مكان اسكن , وذكر عليا مكان سعد , قاله عليه الصلاة والسلام لما تحرك حراء وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم مع اصحابه المذكورين عليه . اهـ
(ومنها) ماجاء في الازرقي عن ابي مليكة يقول : جاءت خديجة الى النبي صلى الله عليه واله وسلم بحيس وهو بحراء فجاءه جبريل فقال : يامحمد هذه خديجة قد جاءت تحمل حيسا معها , والله يأمرك أن تقرأها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه ولا نصب , فلما أن رقيت خديجة قال لها النبي صلى الله عليه واله وسلم : ياخديجة إن جبريل قد جاءني والله يقرئك السلام , ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه ولانصب فقالت خديجة : الله السلام ومن الله السلام وعلى جبريل السلام . انتهى من تاريخ الازرقي , قال في مختار الصحاح : الحيس بفتح الحاء تمر يخلط بسمن وأقط .اهـ " انتهى ماذكره الكردي
الموقع
" يقع شمالي شرقي المسجد الحرام في قمة جبل النور, وارتفاعه نحو 621م من سطح البحر, ونحو 281م من سفح الجبل , وهو صعب المرتقى والصعود اليه يستغرق نحو ساعه , وهو عبارة عن فجوة بابها نحوالشمال , يتوصل اليه بعد المرور من مدخل بين الحجرين يتسع نحو 60 سم , وطول الغارنحو 3م , في مقدمته فتحة طبيعية , وعرض الغار متفاوت أقصاه 1,30م وارتفاعه 2م ويتسع لشخصين يصليان أحدهما واقفا خلف الاخر, وعلى اليمين مصطبه تتسع لشخص يصلي جالسا " (1)
الاحداثيات
n 21°27'18.9
e039°51'42.8
رحم الله الشيخ محمد طاهر الكردي حيث قال " هذا , والحق يقال ان جبل حراء وماحوله فيه من الانوار المعنوية مالايخفى على اولي البصائر وارباب القلوب بل وجميع مكة المكرمة الى حدود الحرم من جميع الجهات كذلك , ويعرفه اهل الذوق والاشارات لامن كثفت طباعه وغلظت حواسه , وكيف لا تكون هذه الاماكن الشريفة كذلك , اليست هي محل نزول القران غضا طريا من السماء الى الارض المباركة ؟ اليست محلات تشرفت بوطئ أقدام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتشرفت بنسمات جبريل والملائكة الكرام عليهم السلام ؟ " اهـ
والله اعلم وبعلمه احكم
_________________________________________________
(1) من تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للدكتور محمد الياس عبدالغني ببعض تصرف
المراجع
تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للدكتور محمد الياس
التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم للشيخ محمد طاهر الكردي المكي
المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للعلامة احمد بن محمد القسطلاني
اخبار مكة وماجاء فيها من الاثار العلامة ابي الوليد محمد بن عبدالله الازرقي
تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف للعلامه محمد بن احمد ابن الضياء
الجامع اللطيف في فضل مكة واهلها وبناء البيت الشريف للعلامه بن ظهيرة القرشي
**********منقول **********
جبل ثور
لا شك أن بعض الجبال تختزن جزئا هاما من قصص التاريخ الإسلامي كما تختزن جغرافيتها كثير من ذاكرة ذلك التاريخ. فالقران الكريم نزل على سيد المرسلين أثناء اعتكافه في غار حراء بجبل النور. ومعركة أحد دارت رحاها على سفح جبل الرماة قرب جبل أحد، هذا الجبل الذي يحبنا ونحبه . كما أن بعض الإخباريين كانوا قد ذكروا أن أبو البشر ادم عليه السلام التقى بزوجه حواء على قمة جبل الرحمة في عرفات ، هذا الجبل المعروف الذي يقف على سفحه كل عام أثناء موسم الحج مسلمون كثر. ولا شك أن من ضمن هذه الجبال التاريخية ، جبل ثور الذي تشرف بإيواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في غاره لعدة ايام في بداية رحلة هجرتهم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة، وهي هجرة لم تكن الاولى في تاريخ الاسلام فلقد سبقتها - كما هو معروف - هجرات بعض الصحابة الى الحبشة وغيرها.
ولقد بدأت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بصعود جبل ثور ودخول غاره حيث مكثا به ثلاث ايام ويرجح الأنصاري أن دخولهما الغار كان ليلاً ويقول الأنصاري أن ابوبكر الصديق كان قد \" أمر ابنه عبدالله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر\". كما كانت ابنته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تأتيهما بالطعام مساءً. ويستطرد الأنصاري قائلاً: أنه بعد مضي ثلاثة ايام عليهما في الغـار وسكـن طلب قريش عنهما ، \" أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ، ببعيرهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما – أي زادهما - ، وهكذا بدأت الخطوة الثانية أو المرحلة الثانية من رحلة الهجرة الميمونة بمغادرة جبل ثور\" هذا الجبل الذي تيسر لي بفضل الله سبحانه وتعالى أن أصعده وأدخل غاره المعروف في رحلة علمية مع صحبة فاضلة من إخوان أعزاء منهم معالي الدكتور أحمد محمد علي وسعادة الدكتور أنور عشقي وسعادة الدكتور عادل بشناق وغيرهم من الأصدقاء وسألقي بعض الضوء على هذه الرحلة لاحقاً إن شاء الله.
ولالقاء نظرة تاريخية سريعة على هذا الجبل يمكن الرجوع إلى المصادر التاريخية المبكرة والمتأخرة ومن ثم سرد بعض المشاهدات الحديثة لمقارنة وضع الجبل على مر العصور والسنين.
نظرة تاريخية على جبل ثوروغاره:
يعرف ابن منظور في لسان العرب ثور بقوله: ثور (بفتح اوله وبالراء المهملة) جبل من جبال مكة المكرمة المعروفة ويسمى أطحل ، كما يسمى ثور أطحل ، اشتهر بغاره الذي أوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في بداية هجرتهما الى المدينة المنورة. ويسمى هذا الغار أيضاً , غار ثور.
وجاء ذكر ثور في أحد أهم وأقدم المصادر التاريخية المبكرة ، (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) لأبي الوليد الأزرقي المتوفى سنة 250هـ حيث يقول المؤلف : ثور جبل بأسفل مكة على طريق عرنة ، فيه الغار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مختبئاً فيه هو وأبوبكر رضي الله عنه في بداية هجرتهما الى المدينة.
أما الفاكهي وهو من علماء القرن الثالث الهجري فقد ذكر في كتابه (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) والذي قام معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش – جزاه الله خيراً – بتحقيقه أن ثور \" في طريق عرنه على يسارك وهو الغار الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول : \" إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا\".
وفي معجم البلدان ، يقول ياقوت الحموي المتوفى عام 626هـ \" إن ثور اسم جبل بمكة فيه الغار الذي اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم \" كما نقل ياقوت عن الزمخشري أن ثور اطحل من جبال مكة بالمفجر من خلف مكة على طريق اليمن\".
وفي (شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) لصاحبه قاضي مكة ، تقي الدين الفاسي المتوفى سنة 832هـ ورد أن ثور جبل باسفل مكة وأن الغار الذي به مشهور وأنه هو الغار الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز. ونقل الفاسي عن الرحالة العربي الشهير ابن جبير أن طول الغار ثمانية عشر شبراً ، وطول فمه الضيق خمسة أشبار وسعته وارتفاعه عن الأرض مقدار شبر في الوسط منه ، ومن جانبيه ثلثا شبر ، وعلى الوسط منه يكون الدخول وسعة الباب الثاني المتسع في مدخله خمسة أشبار. ويذكر الفاسي انه قد تم رفع باب الغار في عصره أي في سنة 800هـ ونقل الفاسي قول ابن جبير أن ثور من مكة ثلاثة اميال.
وفي المصادر المتأخرة ورد ذكر هذا الجبل وغاره ووصفه المؤرخين وغيرهم باسهاب. فقد تحدث إبراهيم رفعت باشا عن زيارته للغار بقوله أنهم قطعوا المسافة بين معسكرهم والجبل في ساعة وعشرين دقيقة بسير الخيل المعتاد. وقال أنهم تسلقوا الجبل في ساعة ونصف الساعة، ووصف الغار بقوله : \" ولما بلغنا الغار وجدناه صخرة مجوفة في قمة الجبل أشبه بسفينة صغيرة ظهرها إلى أعلى ولها فتحتان واحدة في مقدمتها وفي مؤخرتها أخرى\". وقال أن الواقف أعلى الجبل يشرف على كل ما حواليه من الجبال ويرى مكة وما حولها واضحة ظاهرة.
وذكر العلامة الشيخ محمد طاهر الكردي المولود في مكة المكرمة عام 1321هـ والمتوفى عام 1400هـ/1980م في كتابه القيم والذي يقع في عدة اجزاء والموسوم (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) أن ثور يقع في أسفل مكة ويبعد عن الكعبة نحو ثلاثة كيلومترات في الجهة الجنوبية، وبين الكردي – رحمه الله – أن ارتفاع الجبل (759) متر.
أما المؤرخ المعاصر العلامة الشيخ عاتق بن غيث البلادي ، فقد بين أن ثور : \" جبل ضخم يقع جنوب مكة يرى من عمرة التنعيم جنوباً ، ذو رؤوس مدببة ، أمغر ، يرتفع عن سطح البحر (500) متر ، فيه من الشمال غار ثور المشهور\". وحدد البلادي موقع ثور بأنه يقع بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً ويفصله عن مجموعه جبال مكة فج يسمى المفجر.وهو أحد المفاجر الثلاثة. أما في الجنوب فيتصل بمجموعة جبال نهايتها جبل حُبشى ويبين البلادي أن لثور اليوم أربع طرق : أحدهما من كدي , والآخر من المثيب , والثالث من ريع بخش , والرابع من العزيزية .
مشاهدات معاصرة لجبل ثور وغاره:
ولعله من المفيد هنا أن انقل للقارئ الكريم بعض المشاهدات التي سجلتها عدسة ذاكرتي عن جبل وغار ثور أثناء زيارتي لهذا الجبل في أوائل القرن الميلادي الواحد والعشرين (يناير2001م – شوال 1421هـ) مع الصحبة الكريمة التي ذكرت آنفاً حيث كنا قد تركنا جدة إلى مكة المكرمة فجراً ووصلناها قبل شروق الشمس وبدأنا صعود الجبل واستغرق ذلك زهاء ساعة ونصف حتى وصلنا إلى غار ثور وعند الولوج إلى داخله وجدناه متسعاً نسبياً وبين تكوينه الطبيعي انه يمكن أن يستوعب شخصين (بخلاف غار حراء الأكثر ضيقاً). ويطل غار ثور على مكة المكرمة وبطحائها بما في ذلك المنطقة التي كان من المتوقع أن تأتي قريش منها باحثين عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق - رضي الله عنه- ويشرف الغار على ما حوله من الجبال . ومن يدخل هذا الغار يرى أنه كان فعلاً المكان الأنسب للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ليس فقط ليكونا بعيدين عن الأعين بل وأيضاً لمراقبة حركة من كان يبحث عنهم أسفل الجبل، أضف إلى ذلك أن موقع جبل ثور في جنوب مكة في عكس الاتجاه الذي كان من المتوقع أن يسلكه من نوى الهجرة شمالاً إلى المدينة المنورة قد زاد في تمويه من كانوا يقتفون أثرهم من المشركين.
وبعد قضاء بعض الوقت على سفح الجبل وزيارة غاره عدنا أدراجنا نازلين إلى أسفله في مدة اقصر من المدة التي استغرقها صعودنا إلى أعلى الجبل. وبعد الظهر من يومنا عدنا إلى جده نحمل ذكريات هذه الرحلة لأحد المعالم التاريخية لمكة المكرمة , العاصمة المقدسة لوطننا الحبيب المملكة العربية السعودية.
جبال مكة المكرمة :
تشتهر مكة المكرمة بكثرة جبالها حيث تتصف بأنها منطقة جبلية ، ونظراً لكثرة هذه الجبال كان لبعض منها مسميات تعرف بها . فهي إما تنسب إلى أشخاص عاشوا عليها ، وإما لوقوع حوادث إسلامية وتاريخية فيها .
جبل النور " غار حراء":
يقع جبل النور شرقي المسجد الحرام إلى الشمال، ويطل على طريق العدل وسمي بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه ، حيث كان النبي يخلو فيه بنفسه ليعبد الله قبل البعثة في غار حراء . ويبلغ ارتفاع هذا الجبل 642 متراً ، وينحدر انحداراً شديداً من 380 متراً حتى يصل إلى مستوى 500 متر ، ثم يستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته خمسة كيلو مترات و 250 متراً مربعاً وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل .
جبل ثور:
ويقع جبل ثور جنوب المسجد الحرام بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً ، ويشرف على حي الهجرة ، ويعتبر من الجبال المعروفة نظراً لما يتمتع به من مكانة تاريخية حيث يوجد فيه الغار الذي اختبأ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه من مشركي قريش الذين أرادوا قتله ، ومنه هاجر هو وصاحبه سراً إلى المدينة المنورة. ويقال إن سبب تسمية جبل ثور بهذا الاسم أنه كان يعرف بجبل أطحل ، ولكن حين سكنه ثور بن عبد مناف نسب إليه ، ويقال أيضاً إنه يشبه ثوراً مستقبلاً الجنوب ، هو جبل مستدير الشكل نسبياً له عشر قمم مدببة ترتفع من قاعدته
غار و جبل حراء
غار حراء هو الغار الذي كان يختلي ويتعبد فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل البعثة , وهو المكان الذي نزل الوحي فيه لأول مرة على النبي صلى الله عليه واله وسلم وكذلك نزول اول آيات القران الكريم { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } , قال القسطلاني " وقد وقع شق صدره الشريف واستخراج قلبه مرة اخرى عند مجئ جبريل له بالوحي في غار حراء ..." اهـ , ثم قال " والحكمه من ذلك : ليتلقى النبي صلى الله عليه واله وسلم مايوحى اليه بقلب قوي , في اكمل الاحوال من التطهير" اهـ .
و يقع الغار في أعلى جبل حراء أو كما يسمى "جبل النور" أو "جبل الإسلام" . قال ابن الضياء " ويسمي هذا الجبل بعضهم جبل النور, ولعمري انه كذلك لكثرة مجاورة النبي صلى الله عليه واله وسلم وتعبده فيه , وماخصه الله فيه من الكرامة بالرسالة اليه ونزول الوحي فيه عليه , وذلك في غار حراء في أعلاه مشهور يأثره الخلف عن السلف – رحمهم الله – ويقصدونه بالزياره " اهـ , واما "جبل الاسلام " وذلك لنزول نور الدعوة الإسلامية فيه لأول مرة .
روى الازرقي بسنده الى انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم " لما تجلى الله عز وجل للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة اجبل فوقعت بمكة , وثلاثة اجبل فوقعت بالمدينة فوقع بمكة حراء وثبير وثور ووقع بالمدينة احد وورقان ورضوى "
قال الكردي " أما تاريخ بدء الوحي فإنه صلى الله عليه واله وسلم بينما كان يتعبد بغار حراء بمكة , إذ جاءه الوحي في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان للسنة الحادية والاربعين من ميلاد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وهو يوافق 6 اغسطس سنة 610 ميلادية , فيكون نحو39 سنة شمسية وثلاثة أشهر وثمانية ايام " اهـ
مطلب اختفاءه صلى الله عليه واله وسلم في جبل حراء
قال بن ظهيره " ذكر الازرقي ان النبي صلى اله عليه واله وسلم اختبأء فيه من المشركين , وكذا ذكره الفاكهي قال ايضا والمعروف أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يختبئ من المشركين الا في غار ثور , لكن يتأيد ماذكر بما قاله القاضي عياض والسهيلي في روضته : ان قريشا حين طلبوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان على ظهر ثبير, فقال له اهبط عني يارسول الله فاني اخاف ان تقتل وانت على ظهري , فيعذبني الله تعالى فناداه حراء الىَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . وجمع القاضي تقي الدين رحمه الله فقال : ان صح اختفاؤه صلى الله عليه واله وسلم بحراء فهو غير اختفاؤه بثور, والله اعلم فيكون في حراء اولا وفي ثور حين الهجرة " اهـ
قال ابن الضياء " وقال السهيلي في حديث الهجرة : وأحسب في الحديث ان ثورا ناداه ايضا لما قال له ثبير اهبط عني " اهـ
مطلب في سر اختيار النبي صلى الله عليه واله وسلم غار حراء بالخلوة والعباده
قال ابن الضياء " وأورد ابن ابي جمرة سؤالا وهو : أنه لم اختص صلى الله عليه واله وسلم بغار حراء فكان يخلو فيه ويتحنث دون غيره من المواضع ولم يبدله في طول تحنثه ؟ وأجاب عن ذلك بأن هذا الغار له فضل زائدعلى غيره من قبل أن يكون فيه منزويا مجموعا لتحنثه وهو يبصر بيت ربه والنظر الى البيت عبادة , فكان له اجتماع ثلاث عبادات وهي الخلوة والتحنث والنظر الى البيت , وجميع هذه الثلاثة اولى من الاقتصار على بعضها دون بعض , وغيره من الاماكن ليس فيه ذلك المعنى , فجمع له صلى الله عليه واله وسلم في المبادى كل حسن بادى " اهـ
قال ابن ظهيرة بعد ذكر خصوصية هذا الموضع " أقول : وفيما ذكر نظرلان غيره من الجبال يتأتى فيه ماذكر من اجتماع العبادات الثلاث كأبي قبيس مثلا ويزيد بقربه من البيت فكان اولى ان يتعبد فيه , وان كان المراد البعد من الناس لخلو البال في التعبد فالجبال البعيدة كثيرة اللهم الا ان يقال ان الغار الذي بحراء مستقبل الكعبة من غير انحراف , وليس غيره كذلك فله وجه , والاحسن ان يقال ان جبل حراء متعبد اجداده فاقتدي بهم في ذلك , والله الموفق" اهـ
قال الكردي " (فإن قيل) : فما حكمة ذهاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للتعبد في غاره , مع انه جبل يبعد عن الكعبة المعظمة بنحو أربعة كيلو مترات , ومع ان البيوت في ايام الجاهلية حول الكعبة بما لايتجاوز ن مائتي متر تقريبا , أي ماكانت البيوت تبلغ محلة المدعا من الناحية الشمالية , ومثلها من جميع الجهات , فلو أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذهب الى جبل ابي قبيس او الى جبل قعيقعان وهما اخشبا مكة , او الى جبل اجياد او الى جبل بقرب المعلا لكان ايضا بعيدا عن اعين الناس في ذلك الزمن ؟
(نقول): إن ذهاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى جبل حراء للتعبد في غاره قبل بعثته إنما هو بتوجيه من الله تبارك وتعالى فقط , لحكمة يعلمها جل جلاله , وايضا لقد اطلعنا أن بعض الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا اذا وصلوا الى مكة ذهبوا الى هذا الجبل للتعبد , مع العلم بأن الملائكة الكرام عليهم السلام , كانوا يأخذون الحجارة من هذا الجبل فيرمونها في اساس الكعبة المعظمة عند بنيانهم لها لاول مرة قبل ادم عليه الصلاة والسلام فأساس الكعبة الى تخوم الارض هو من خمسة جبال منها جبل حراء" اهـ
مما روى في فضل حراء
قال الكردي " وقد ورد ذكر حراء في بعض الاحاديث الصحيحة (فمن ذلك) ماجاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه " جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت , فنظرت امامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم ار احدا , ثم نوديت فنظرت فلم ار احدا , ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء , يعني جبريل عليه السلام , فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت : دثروني فدثروني فصبوا علي ماء فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } .
(ومنها ) ماجاء في الصحيحين ايضا عن جابر رضي الله عنه " بينا انا امشي اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت راسي فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والارض , فجئت منه فرقا فرجعت فقلت : زملوني زملوني , فدثروني فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }
(ومنها) ماجاء في صحيح البخاري في اول الجزء الاول منه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت ( اول مابدئ به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم , فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح , ثم حبب اليه الخلاء , وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه , وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك , ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ , قال ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني , فقال : اقرأ , فقلت ما أنا بقارئ , فأخذني فغطني الثالثة ثم ارسلني فقال { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } , فرجع بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يرجف فؤاده , فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال : زملوني زملوني , فزملوه حتى ذهب عنه الروع , فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي , فقالت خديجة : كلا والله مايخزيك الله ابدا , إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ... الى اخر الحديث .
(ومنها) ماجاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه " أُسكن حراء فما عليك الا نبي او صديق او شهيد " . وعليه النبي عليه السلام وابو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص , ويروى " اهدأ" وعليه ابوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير" . قال في كتاب " مبارق الازهار في شرح مشارق الانوار " : يعني روى بعض الرواة لفظ اهدأ مكان اسكن , وذكر عليا مكان سعد , قاله عليه الصلاة والسلام لما تحرك حراء وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم مع اصحابه المذكورين عليه . اهـ
(ومنها) ماجاء في الازرقي عن ابي مليكة يقول : جاءت خديجة الى النبي صلى الله عليه واله وسلم بحيس وهو بحراء فجاءه جبريل فقال : يامحمد هذه خديجة قد جاءت تحمل حيسا معها , والله يأمرك أن تقرأها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه ولا نصب , فلما أن رقيت خديجة قال لها النبي صلى الله عليه واله وسلم : ياخديجة إن جبريل قد جاءني والله يقرئك السلام , ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه ولانصب فقالت خديجة : الله السلام ومن الله السلام وعلى جبريل السلام . انتهى من تاريخ الازرقي , قال في مختار الصحاح : الحيس بفتح الحاء تمر يخلط بسمن وأقط .اهـ " انتهى ماذكره الكردي
الموقع
" يقع شمالي شرقي المسجد الحرام في قمة جبل النور, وارتفاعه نحو 621م من سطح البحر, ونحو 281م من سفح الجبل , وهو صعب المرتقى والصعود اليه يستغرق نحو ساعه , وهو عبارة عن فجوة بابها نحوالشمال , يتوصل اليه بعد المرور من مدخل بين الحجرين يتسع نحو 60 سم , وطول الغارنحو 3م , في مقدمته فتحة طبيعية , وعرض الغار متفاوت أقصاه 1,30م وارتفاعه 2م ويتسع لشخصين يصليان أحدهما واقفا خلف الاخر, وعلى اليمين مصطبه تتسع لشخص يصلي جالسا " (1)
الاحداثيات
n 21°27'18.9
e039°51'42.8
رحم الله الشيخ محمد طاهر الكردي حيث قال " هذا , والحق يقال ان جبل حراء وماحوله فيه من الانوار المعنوية مالايخفى على اولي البصائر وارباب القلوب بل وجميع مكة المكرمة الى حدود الحرم من جميع الجهات كذلك , ويعرفه اهل الذوق والاشارات لامن كثفت طباعه وغلظت حواسه , وكيف لا تكون هذه الاماكن الشريفة كذلك , اليست هي محل نزول القران غضا طريا من السماء الى الارض المباركة ؟ اليست محلات تشرفت بوطئ أقدام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتشرفت بنسمات جبريل والملائكة الكرام عليهم السلام ؟ " اهـ
والله اعلم وبعلمه احكم
_________________________________________________
(1) من تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للدكتور محمد الياس عبدالغني ببعض تصرف
المراجع
تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للدكتور محمد الياس
التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم للشيخ محمد طاهر الكردي المكي
المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للعلامة احمد بن محمد القسطلاني
اخبار مكة وماجاء فيها من الاثار العلامة ابي الوليد محمد بن عبدالله الازرقي
تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف للعلامه محمد بن احمد ابن الضياء
الجامع اللطيف في فضل مكة واهلها وبناء البيت الشريف للعلامه بن ظهيرة القرشي
**********منقول **********
جبل ثور
غـار ثـور
المرحلة الأولى من طريق الهجرة النبوية الشريفة
المرحلة الأولى من طريق الهجرة النبوية الشريفة
لا شك أن بعض الجبال تختزن جزئا هاما من قصص التاريخ الإسلامي كما تختزن جغرافيتها كثير من ذاكرة ذلك التاريخ. فالقران الكريم نزل على سيد المرسلين أثناء اعتكافه في غار حراء بجبل النور. ومعركة أحد دارت رحاها على سفح جبل الرماة قرب جبل أحد، هذا الجبل الذي يحبنا ونحبه . كما أن بعض الإخباريين كانوا قد ذكروا أن أبو البشر ادم عليه السلام التقى بزوجه حواء على قمة جبل الرحمة في عرفات ، هذا الجبل المعروف الذي يقف على سفحه كل عام أثناء موسم الحج مسلمون كثر. ولا شك أن من ضمن هذه الجبال التاريخية ، جبل ثور الذي تشرف بإيواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في غاره لعدة ايام في بداية رحلة هجرتهم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة، وهي هجرة لم تكن الاولى في تاريخ الاسلام فلقد سبقتها - كما هو معروف - هجرات بعض الصحابة الى الحبشة وغيرها.
ولقد بدأت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بصعود جبل ثور ودخول غاره حيث مكثا به ثلاث ايام ويرجح الأنصاري أن دخولهما الغار كان ليلاً ويقول الأنصاري أن ابوبكر الصديق كان قد \" أمر ابنه عبدالله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر\". كما كانت ابنته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تأتيهما بالطعام مساءً. ويستطرد الأنصاري قائلاً: أنه بعد مضي ثلاثة ايام عليهما في الغـار وسكـن طلب قريش عنهما ، \" أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ، ببعيرهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما – أي زادهما - ، وهكذا بدأت الخطوة الثانية أو المرحلة الثانية من رحلة الهجرة الميمونة بمغادرة جبل ثور\" هذا الجبل الذي تيسر لي بفضل الله سبحانه وتعالى أن أصعده وأدخل غاره المعروف في رحلة علمية مع صحبة فاضلة من إخوان أعزاء منهم معالي الدكتور أحمد محمد علي وسعادة الدكتور أنور عشقي وسعادة الدكتور عادل بشناق وغيرهم من الأصدقاء وسألقي بعض الضوء على هذه الرحلة لاحقاً إن شاء الله.
ولالقاء نظرة تاريخية سريعة على هذا الجبل يمكن الرجوع إلى المصادر التاريخية المبكرة والمتأخرة ومن ثم سرد بعض المشاهدات الحديثة لمقارنة وضع الجبل على مر العصور والسنين.
نظرة تاريخية على جبل ثوروغاره:
يعرف ابن منظور في لسان العرب ثور بقوله: ثور (بفتح اوله وبالراء المهملة) جبل من جبال مكة المكرمة المعروفة ويسمى أطحل ، كما يسمى ثور أطحل ، اشتهر بغاره الذي أوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في بداية هجرتهما الى المدينة المنورة. ويسمى هذا الغار أيضاً , غار ثور.
وجاء ذكر ثور في أحد أهم وأقدم المصادر التاريخية المبكرة ، (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) لأبي الوليد الأزرقي المتوفى سنة 250هـ حيث يقول المؤلف : ثور جبل بأسفل مكة على طريق عرنة ، فيه الغار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مختبئاً فيه هو وأبوبكر رضي الله عنه في بداية هجرتهما الى المدينة.
أما الفاكهي وهو من علماء القرن الثالث الهجري فقد ذكر في كتابه (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) والذي قام معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش – جزاه الله خيراً – بتحقيقه أن ثور \" في طريق عرنه على يسارك وهو الغار الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول : \" إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا\".
وفي معجم البلدان ، يقول ياقوت الحموي المتوفى عام 626هـ \" إن ثور اسم جبل بمكة فيه الغار الذي اختبأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم \" كما نقل ياقوت عن الزمخشري أن ثور اطحل من جبال مكة بالمفجر من خلف مكة على طريق اليمن\".
وفي (شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) لصاحبه قاضي مكة ، تقي الدين الفاسي المتوفى سنة 832هـ ورد أن ثور جبل باسفل مكة وأن الغار الذي به مشهور وأنه هو الغار الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز. ونقل الفاسي عن الرحالة العربي الشهير ابن جبير أن طول الغار ثمانية عشر شبراً ، وطول فمه الضيق خمسة أشبار وسعته وارتفاعه عن الأرض مقدار شبر في الوسط منه ، ومن جانبيه ثلثا شبر ، وعلى الوسط منه يكون الدخول وسعة الباب الثاني المتسع في مدخله خمسة أشبار. ويذكر الفاسي انه قد تم رفع باب الغار في عصره أي في سنة 800هـ ونقل الفاسي قول ابن جبير أن ثور من مكة ثلاثة اميال.
وفي المصادر المتأخرة ورد ذكر هذا الجبل وغاره ووصفه المؤرخين وغيرهم باسهاب. فقد تحدث إبراهيم رفعت باشا عن زيارته للغار بقوله أنهم قطعوا المسافة بين معسكرهم والجبل في ساعة وعشرين دقيقة بسير الخيل المعتاد. وقال أنهم تسلقوا الجبل في ساعة ونصف الساعة، ووصف الغار بقوله : \" ولما بلغنا الغار وجدناه صخرة مجوفة في قمة الجبل أشبه بسفينة صغيرة ظهرها إلى أعلى ولها فتحتان واحدة في مقدمتها وفي مؤخرتها أخرى\". وقال أن الواقف أعلى الجبل يشرف على كل ما حواليه من الجبال ويرى مكة وما حولها واضحة ظاهرة.
وذكر العلامة الشيخ محمد طاهر الكردي المولود في مكة المكرمة عام 1321هـ والمتوفى عام 1400هـ/1980م في كتابه القيم والذي يقع في عدة اجزاء والموسوم (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) أن ثور يقع في أسفل مكة ويبعد عن الكعبة نحو ثلاثة كيلومترات في الجهة الجنوبية، وبين الكردي – رحمه الله – أن ارتفاع الجبل (759) متر.
أما المؤرخ المعاصر العلامة الشيخ عاتق بن غيث البلادي ، فقد بين أن ثور : \" جبل ضخم يقع جنوب مكة يرى من عمرة التنعيم جنوباً ، ذو رؤوس مدببة ، أمغر ، يرتفع عن سطح البحر (500) متر ، فيه من الشمال غار ثور المشهور\". وحدد البلادي موقع ثور بأنه يقع بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً ويفصله عن مجموعه جبال مكة فج يسمى المفجر.وهو أحد المفاجر الثلاثة. أما في الجنوب فيتصل بمجموعة جبال نهايتها جبل حُبشى ويبين البلادي أن لثور اليوم أربع طرق : أحدهما من كدي , والآخر من المثيب , والثالث من ريع بخش , والرابع من العزيزية .
مشاهدات معاصرة لجبل ثور وغاره:
ولعله من المفيد هنا أن انقل للقارئ الكريم بعض المشاهدات التي سجلتها عدسة ذاكرتي عن جبل وغار ثور أثناء زيارتي لهذا الجبل في أوائل القرن الميلادي الواحد والعشرين (يناير2001م – شوال 1421هـ) مع الصحبة الكريمة التي ذكرت آنفاً حيث كنا قد تركنا جدة إلى مكة المكرمة فجراً ووصلناها قبل شروق الشمس وبدأنا صعود الجبل واستغرق ذلك زهاء ساعة ونصف حتى وصلنا إلى غار ثور وعند الولوج إلى داخله وجدناه متسعاً نسبياً وبين تكوينه الطبيعي انه يمكن أن يستوعب شخصين (بخلاف غار حراء الأكثر ضيقاً). ويطل غار ثور على مكة المكرمة وبطحائها بما في ذلك المنطقة التي كان من المتوقع أن تأتي قريش منها باحثين عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق - رضي الله عنه- ويشرف الغار على ما حوله من الجبال . ومن يدخل هذا الغار يرى أنه كان فعلاً المكان الأنسب للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ليس فقط ليكونا بعيدين عن الأعين بل وأيضاً لمراقبة حركة من كان يبحث عنهم أسفل الجبل، أضف إلى ذلك أن موقع جبل ثور في جنوب مكة في عكس الاتجاه الذي كان من المتوقع أن يسلكه من نوى الهجرة شمالاً إلى المدينة المنورة قد زاد في تمويه من كانوا يقتفون أثرهم من المشركين.
وبعد قضاء بعض الوقت على سفح الجبل وزيارة غاره عدنا أدراجنا نازلين إلى أسفله في مدة اقصر من المدة التي استغرقها صعودنا إلى أعلى الجبل. وبعد الظهر من يومنا عدنا إلى جده نحمل ذكريات هذه الرحلة لأحد المعالم التاريخية لمكة المكرمة , العاصمة المقدسة لوطننا الحبيب المملكة العربية السعودية.
كتبه
الدكتور عدنان بن عبدالبديع اليافي
3م12/2008م
الدكتور عدنان بن عبدالبديع اليافي
3م12/2008م
***************************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق