كتاب مصطلحات القوم ( الصوفية )
لجنة البحث العلمي
الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية نبيل معين عساف
مقدمة
الحمد لله رب العالمين , المتفضل على خواص عباده بأن آتاهم تقواهم فأحكموه , والعلم اللدنّي فعملوا به , وترسخ قدمهم فيه فحفظوه , وأحيا قلوبهم به فاشتغلت على الدوام بذكره سبحانه , وألقوا السمع والمشاهدة واستنبطوا منه عجائب العلوم والأسرار , وذلك فهماً منهم واتباعاً لقوله سبحانه وتعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله القائل:(إنّ من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله , فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرّة بالله) . صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأبرار الأخيار المتقين والعلماء العاملين والصالحين المصلحين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين , وجعلنا منهم وحشرنا معهم تحت لواء سيد المرسلين عليه من الله أعظم صلاة وأكرم تسليم, وبعد.
فقد شاع في العلوم والفنون المختلفة استخدام مصطلحات تفيد في الدلالة على معاني تشتمل عليها تلك العلوم والفنون, وإنّ من شأن فهم تلك المصطلحات وما تعنيه من دلالاتها الدقيقة والواضحة، المساعدة على المعرفة الصحيحة للعلوم والفنون وإستغلالها وتطويرها وتجنيبها المنازعات العقيمة , ولمّا كان التصوف سلوكاً له إطاره النظري والتجريبي فإن دراسة مصطلحه تفيد في التعرّف عليه, وقد انتبه كثيرون الى هذا الأمر المهم وكتبوا فيه, وكان من أوائل الذين إشتغلوا في التأليف في هذا الباب خاصة, وفي التصوّف الاسلامي عامة الإمام أبو نصر السراج الطوسي رضي الله عنه (المتوفى سنة 378 هـ/988م) في كتابه"اللمع في التصوّف", و الإمام أبو بكر محمد البخاري الكلاباذي (المتوفى سنة 380هـ / 990م) في كتابه"التعرّف لمذهب أهل التصوّف", والإمام أبو القاسم القشيري (376 – 465 هـ) في كتابه المعروف"بالرسالة القشيرية في علم التصوّف", وأبو الحسن الهُجويري (المتوفى سنة 465 هـ) في كتابه "كشف المحجوب", وتبعهم بعد ذلك طائفة من الأئمة والأعلام منهم الإمام أبو حـامد الغـزالي (450هـ/ 1059م – 505 هـ / 1111م) في كتابه المشهور"إحياء علوم الدين"وأبو نجيب السهـروردي (490 هـ / 1097م – 563 هـ / 1168م) في كتابه"عوارف المعارف", والشيخ الأكبر أبو بكر محي الدين ابن عربي (560 هـ /1165م – 638 هـ/ 1240م) في كتابه "إصطلاح الصوفية", وأبو الغنايم الكاشي السمرقندي (المتوفى سنة 735هـ) في كتابه"إصطلاحات الصوفيّة", وأبو الحسن الشهير بالسيّد الشريف الجرجاني (740 هـ / 1339م – 816 هـ / 1413م) في كتابه المشهور"بالتعريفات", والشيخ عبد الكريم الجيلي (767 هـ / 1365 م – 832 هـ / 1428م) في كتابه"الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل", وامتدت السلسلة لتضم طائفة أخرى من الأعلام المبكّرين منهم الشيخ ابن غانم المقدسي (المتوفى سنة 978 هـ) في كتابه"رسالة في اصطلاحات الصوفيّة", والقاضي أبو البقاء الكفوي (1028هـ – 1094هـ/ 1684م) في كتابه المعروف "بالكليّات", والشيخ محمد أعلى التهانوي من أهل القرن الثاني العشر الهجري في كتابه"كشاف اصطلاحات الفنون", والشيخ أحمد النقشبندي الكمشخانوي (1227هـ / 1812 م – 1311 هـ / 1893 م) في كتابه"جامع الأصول في الأولياء".
وقد استمد من جاء بعد هؤلاء الأعلام من مصنفين في مجال الإصطلاحات الصوفيّة معاني المصطلحات مما ذكره هؤلاء الأعلام نقلاً وإستنباطاً , فضلاً عن أن بعض هؤلاء الأعلام كان يستند بعضهم إلى بعض ويقتبس بعضهم من بعض في شرح معاني المصطلحات, وهذا النهج هو الذي جرى اتباعه في هذه الرسالة , حيث تم حصر الإختيار في المؤلفات سالفة الذكر ونزرٍ يسير من غيرها كما هو مبين في قائمة المراجع المرفقة, وجرى انتقاء معاني المصطلحات منها بإيجاز ودقة ووضوح, مع مراعاة ما تم انتقاؤه من المعاني الواردة في المراجع المختلفة وتقديم المعنى الغالب منها على غيره, وتجنب الغامض والغريب منها في معناه وألفاظه , كما جرى إستثناء المتناقض منها في معانيه – وهو قليل – وتمت الإستعانة بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال الصحابة والتابعين الكرام والأئمة الأعلام ورجال الصوفية المشهورين, وأبيات شعرية من الأدب الصوفي, وذلك لمزيد في بيان معاني بعض المصطلحات , وجرى تذييل المصطلحات بما ورد منها في أوراد وأذكار ورسائل وقصائد وعبارات شيوخ أهل الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية , وذلك ترسيخاً للمعنى المقصود في إفهام السالكين واستقراره في نفوسهم, وقد روعي في هذه الرسالة اجتناب التطويل والإستطراد, وعدم الترداد والإعادة منعاً للخروج عن المنهجيّة والقصد, غير ان بعض المصطلحات اقتضى الأمر تفصيلها لما قد يتركه إيجاز شرحها من ايهام في العقول تتطلب ازالته التفصيل.
ولمزيد من تقريب الفهم الى الأذهان, تم ادراج المعنى اللغوي المتعلق بمفهوم كل مصطلح في بداية الكتابة عنه, لما من شأن ذلك الربط بين فقه اللغة, وفقه الشريعة والطريقة والحقيقة في المصطلحات الصوفيّة المختلفة.
وختاماً, نتقدم بالشكر الى شيخنا السيّد الحسيب النسيب أبي محمد سيدي حسني بن الشيخ حسن بن الشيخ خير الدين بن الشيخ عبد الرحمن الشريف الحسيني الخلوتي الحنفي الخليلي شيخ الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية , والذي لولا علمه وتوجيهاته وتأييده ودعائه وبركته لم نتمكن من إخراج هذه الرسالة في المصطلحات الصوفيّة , لتكون استمراراً للدراسات اللاحقة في هذا الباب وغيره من علوم الصوفيّة وآدابهم إن شاء الله تعالى.
نسأله سبحانه أن يجعل هذا الجهد المتواضع في التصنيف خالصاً لوجهه الكريم, وأن يتقبله بقبول حسن, وأن ينفع به قارئيه ومستمعيه , وأن يغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولمشايخنا ومشايخ مشايخنا, ولأهلنا ولإخواننا ولمن له حق علينا ولسائر المسلمين أجمعين, وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأميّ وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً الى يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المهندس : نبيل معين عساف
1- الأغيار:
الغير في اللغة: الاسم من تغيّر بمعنى تحوّل, وغيّرهُ: جعله غير ما كان وحوّله وبدّله , وتغيّر الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد, وتكون غير بمعنى سوى, وتُجمع على أغيار, وغِيرُ الدهر: أحداثه, والغيرية خلاف العينية وهي كون كل من الشيئين خلاف الآخر . والأغيار في اصطلاح الصوفية: هم عالم الكون بنوعيه اللطيف والكثيف .
جاء في الدرة الشريفة (صفّ بواطننا من الأغيار).
وجاء في حزب الهمزة:
باللهوّ والتجريد جردنا عن الأغيار وأفردنا بكل عُلاءِ
وجاء في ورد السحر (وزيّن سرّي بالأسرار، وعن الأغيار فصنه).
وجاء في النصـائح الرحمـانية (جولاتك مع الغافلين حيّرك وركونك للأغيار غيّرك).
2- الأفول والحلول والخمول:
الأفول في اللغة: الغياب وذهاب لبن المرضع . والحلول بالمكان: النزول فيه والوجوب كقولك حلّ أمر الله عليه حلولاً , أو الدخول , وتأتي بمعنى جمع إسم الفاعل (حالٌ) . والخمول: الخفاء .
والأفول في اصطلاح أهل الحقيقة: غياب الشيء عن النظر رغم وجوده، وهو مقام الصلة بالله مع ظن الناس بانقطاعها.
والحلول وهو أن يحل في القلوب الإيمان بالله والتصديق له والتوحيد والمعرفة, وهذه أوصافُ مصنوعات الله من جهة صنعه بهم , لا هو بذاته أو بصفاته يحل بهم, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً, وهي حال يصير معها الذاكر الى مقامٍ يفنى فيه عن نفسه وعن الخلق أجمعين, وتجري ينابيع الحكمة من قلبه, وأساسها المحبة بين الخالق والمخلوق .
والخمول في اصطلاح القوم: هو سكون الجسد والمادة وثورة الروح والقلب أو شدة اليقين حتى لا يبقى في الأمر زيادة (لو كشف الحجاب ما إزددتّ يقيناً), أو هو اليقين المطلق دون طلب دليل وغالباً ما يأتي هذا للسالك في نهاياته , أو هو إسقاط المنزلة عند الناس، وهو لأصحاب الولاية المكتومة أو المطموسة.
3-البواده والهجوم:
البواده في اللغة: هي ما تفجأُ . والهجوم: من هجم عليه، أي انتهى إليه بغتةً على غفلةٍ منه أو دخل بغير إذن , والانهدام , والاسراع
البواده في اصطلاح أهل الحقيقة: هي ما يفجأ القلب من الغيب فيوجبُ بسطاً أو قبضاً . والهجوم ما يردُ على القلب بقوة الوقت من غير تصنّعٍ منك ويختلف حسب قوة الوارد وضعفه, فمنهم من يتغير ومنهم من يكون فوق ذلك حالاً وقوة, أولئك سادات الوقت .
4- التلوين والتمكين:
التلوين في اللغة: من لوّن الشيء أي جعله ذا لون , ولوّن البُسر (يعني البلح الفجّ) بدا فيه أثر النضج . والتمكين: من مكّنهُ من الشيء وأمكنه منه أي جعل له عليه سلطاناً وقدرةً, وتمكن من الأمر واستمكن منه , قدر عليه وظفر به .
والتلوين معناه تلوّن العبد في أحواله أي تغيرها , فمن أشار إلى تلوين القلوب وتغيرالأحوال قال"علامة الحقيقة رفع التلوين"ومن أشار إلى تلوين القلوب والأسرار الخالصة لله تعالى في مشاهدتها وما يرد عليها من التعظيم وغير ذلك من تلوين الواردات قال"علامة الحقيقة التلوين" , وعلى المعنى الأول يكون صاحب التلوين أبداً في الزيادة والترقي من حالٍ إلى حال فإذا وصل تمكن . وعلى المعنى الثاني يكون صاحب التلوين في أكمل المقامات لانكشاف حقيقة معنى قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وهو نهاية التمكين .
والتمكين هو مقام الرسوخ والاستقرار على الاستقامة , وانخناس أحكام البشريّة واستيلاء سلطان الحقيقة , وهو إقامة أهل الحقائق في محل الكمال والدرجة العليا، والعبور منه محال , قال واحد من المشايخ رضي الله عنهم"التمكين رفع التلوين".
جاء في حزب السيف: (ونفحةً من نفحاتك نلتمس بها مراتب أهل الرسوخِ والتمكين).
5-التواجد والوجد والوجود:
تواجدَ: أرى من نفسه المحبة أو الحزن, والوجد:المحبة والغنى والقدرة, والوجود: خلاف العدم, والواجد: الغنيّ المحب القادر .
والتواجد في اصطلاح أهل الحقيقة: استجلاب الوجد بالذكر والتفكر . وقالوا إنه يتضمن التكلّف , والتشبّه في تكلّفه بالصادقين من أهل الوجد . وقيل إظهار حالة الوجد من غير وجد , والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم"إن لم تبكوا فتباكوا" أراد به التباكي ممن هو مستعد للبكاء لا تباكي الغافل اللاهي .
والوجدُ: ما يصادف القلب ويرد عليه بلا تكلّفٍ وتصنّع , ولهذا قال المشايخ"الوجد المصادفة , والمواجيد ثمرات الأوراد , فكل من ازدادت وظائفه ازدادت من الله لطائفه" , وقيل الوجد ما تطلبه بكسبك واجتهادك , وقيل هو ما صادف القلب من فزعٍ أو غمٍ أو رؤية معنى من أحوال الآخرة أوكشْفُ حالةٍ بين العبد والله عز وجل, وهو سمع القلوب وبصرها وهو بشارات الحق بالترقي إلى مقامات مشاهداته , وهو رفع الحجاب عن القلب ثم مشاهدة الحق وملاحظة الغيب .
والوجود: هو بعد الإرتقاء عن الوجد, ولا يكون وجود الحق إلا بعد خمود البشرية, وهو تمام وجد الواجدين، وقال بعضهم هو ما تجده من الله الكريم , فالتواجد بداية والوجود نهاية والوجد واسطة بين البداية والنهاية .
وجاء في حزب الهمزة:
بالرؤية اللاتي بكم منكم لكم وبوجدِ أهل الله دم لي هنائي
وجاء أيضاً:
بتواجد الأشواق جردنا عن الأغيار وافردنا بكل علاء
وجاء في ورد الدرة الشريفة في وصفه صلى الله عليه وسلم (على أول من برز للوجود من أنوارك – أنوار الله – الذاتية).
6- توارد الإمداد:
في اللغة: توارد القوم إلى المكان: حضروا الواحد بعد الآخر , وتواردوا الماء: وردوه معاً , وتوارد الشاعران: اتفقا في إيراد المعنى الواحد بلفظٍ واحد من غير أخذٍ ولا سماع , والإمداد تأخير الأجل , وأن تنصر الأجناد بجماعة غيرك , والإعطاء والإغاثة , ويقال في الشرّ مددته , وفي الخير أمددته , وأن تعطي الكاتب مدَّة (استمداداً) من الدواة للقلم
وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هو تتابع وصول كل ما يحتاج إليه الممكن في وجوده على الولاء حتى يبقى , فإن الحق يُمدّه من النَفَس الرحماني بالوجود, والغذاء والنّفَس , والهواء .
جاء في حزب الهمزة:
بتوارد الإمداد رب أمدّنا بالفيض واجعلنا من الخُلصاء
واجري على يده الصواب ومُدّه مع تابعيه إلهنا بهُداء
وجاء في حزب السيف: (وبمددك الوافر وفيضك العميم توجني بتاج عظمتك)، (فلغير سخاء عطاء مدد جود كرمك لا تكلني)، (وحُفّنا بمدد رعايتك)
7- الجذب:
الجذب في اللغة ضدّ الدفع , وجذبَ المهر عن أمه: فطمه .
وفي اصطلاح أهل الحقيقة هو تقريب العبد بمقتضى العناية الإلهيّة المهيّئة له كل ما يحتاج إليه في طيّ المنازل إلي الحق بلا كلفةٍ وسعيٍ منه . قال الطوسي: (فأما جذب الأرواح وسمو القلوب , ومشاهدة الأسرار والمناجاة والمخاطبة وما يشاكل ذلك , فإن أكثر ذلك عبارات تُعبّر عن التوفيق والعناية, وما يبدو على القلوب من أنوار الهداية على مقدار قرب الرجل وبعده , وصدقه وصفائه في وجده). قال أبو سعيد الخرّاز"إن الله تعالى جذب أرواح أوليائه إليه , ولذذها بذكره والوصول إلى قربه , وعجّل لأبدانهم التلذذ بكل شيء , فعيش أبدانهم عيش الحيوانيين, وعيش أرواحهم عيش الربانيين". وقال الواسطي رحمه الله"إنما أشهدهم ألطافة التي بها جذب سرائرهم إلى نفسه"وقال:"إذا جذب الأرواح عن الأشباح , ثبّت الأشباح مع العقول والصفات , لأنه حجبها بشرط العقول, وأيسهم أن يكون لهم شيء من غير سرائرهم بقوله تعالى"قل بفضل الله" .
جاء في حزب السيف: (اللهم جذبة من جذباتك تكشف حجاب الوهم عن عين اليقين).
وجاء في حزب الهمزة:
بالجذب ثم بأهله اسق الفتى من فيض سرّ قد سما ببهاء
وجاء في ورد السحر: (نسألك بأهل عنايتك الذين اختطفتهم يدُ جذباتك)،
وجاء في المنبهجة:
وبسر القرب كذاك الحبِّ وأهل الجذب المنعرج
8-الجمع والفرق / التفرقة:
الجمع لغة: تأليف المتفرق وضم البعض إلى بعض, والفرق الفصل , والجمع: جماعة الناس, ويوم الجمع: يوم القيامة, والفرق: الفلْق والتوزيع والتبديد والطريق في شعر الرأس .
والجمع شهود الحق بلا خلْق , والفرق أو التفرقة إشارة إلى خلقٍ بلا حق , وقيل مشاهدة العبودية . وقيل أصل الجمع والتفرقة قوله تعالى {شهد اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} فهذا جمعٌ ثم فرق فقال {وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ}, وقوله تعالى {آمَنَّا بِاللّهِ} جمع, ثم فرق بقوله {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} .
والجمع أصل والتفرقة فرع, فكل جمع بلا تفرقةٍ زندقة, وكل تفرقةٍ بلا جمع تعطيل, قيل"جَمَعَهم في المعرفة وفرقهم في الأحوال", والمقصود أن الجمع تجريد التوحيد والتفرقة الإكتساب, فعلى هذا لا جمع إلا بتفرقة, وصحة الجمع بالتفرقة, وصحة التفرقة بالجمع لأن الجمع من العلم بالله, والتفرقة من العلم بأمر الله, ولا بد منهما جميعاً. والجمع حكم الروح , والتفرقة حكم القلب, قال الواسطي:"إذا نظرت إلى نفسك فرّقت, وإذا نظرت إلى ربّك جمعت"وقيل:"جمعهم بذاته وفرقهم بصفاته". وأن العبد إذا أثبت لنفسه كسباً ونظر إلى أعماله فهو في التفرقة, وإذا أثبت بالحق فهو في الجمع, وإذا تحقق بالفناء فهو جمع الجمع, فالتفرقة عبودية والجمع توحيد .
وخلاصة القول: أن الجمع ما سُلبَ عنك والفرق ما نُسبَ إليك, وأن من لا جمع له لا معرفة له, وأن من لا تفرقة له لا عبودية له, فقول العبد"إياك نعبد"إثبات للتفرقة بإثبات العبودية, وقوله"إياك نستعين"طلبٌ للجمع , فالتفرقة بداية الإرادة والجمع نهايتها .
جاء في حزب الهمزة:
واجعلنا من أهل الرسوخ بجمعنا وأدم سلوك عبيدك الضعفاء
بالفرق ربّ وفرقِهِ زِلْ غيننا عن عين حقّك يا بديع سماء
9- الحال:
الحال في اللغة: نهاية الماضي وبداية المستقبل ، وصفة الشيء وهيئته وكيفيته, ويؤنث ويذك, وحالُ متن الفرس: وسط ظهره, وتجمع على أحوال وأحوله .
وفي الإصطلاح عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنّع ولا اجتلاب ولا إكتساب من طرب أو حزن أو قبضٍ أو بسط أو هيئة , ويزول بظهور صفات النفس سواءً يعقبه المِثلُ أو لا يعقبه, فإذا دام وصار ملكاً يسمّى مقاماً, فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب, والأحوال تأتي من عين الجود, والمقامات تحصل ببذل المجهود . ويسمى الحال بالوارد أيضاً ولذا قالوا:"لا وِردَ لمن لا وارد له", وهو الوارد الذي يرد على قلب وجوارح السالك من صفاء الأذكار, وهو المعنى الذي يظهر من عالم الغيب بعد حصول صفاء الأذكار في القلب .
قال شيخنا الشيخ عبد الرحمن الشريف قدس الله سره في القصائد الرحمانية:
إذا ما قال تابعُهُم أغيثوا عبيدُكُمُ أتَوهُ بكلِّ حال
وقال أيضاً:
ألا يا سادةً ملكوا فؤادي بإحساناتكم رقوّ لحالي
10- الخواطر:
الخاطر في اللغة: الهاجس , وما يرد على القلب من أمرٍ أو تدبيرٍ أو خطاب, وقد يُطلق على القلب والنفْس مجازاً .
والخاطر في أصطلاح القوم: ما يرد على القلب والضمير من الخطاب , مع سرعة زواله بخاطر أخر, وقدرةُ صاحب الخاطر على دفعه عن القلب مراراً . ويقال إنّ الخاطر الصحيح أولُ الخاطر من الأمور , لأنه يكون من الحق تعالى وتقدس إلى العبد بدون علّة , وهو على أربعة أوجه: خاطر من الله عز وجل - ويعرف بالرباني- وهو تنبيه , وخاطر من الملك – ويعرف بالملكي -ويسمى إلهاماً وهو حثٌ على الطاعة , وخاطر من النفس – ويعرف بالنفساني -ويسمى هاجساً وهو مطالبةُ الشهوة وما فيه حظ النفس, وخاطرٌ من العدوّ – ويعرف بالشيطاني- ويسمى وسواساً , وهو تزيين المعصية والدعوة الى مخالفة الحق . ويعرفُ الخاطر الرباني بأنه لا يخطيء أبداً، ويعرف بالقوة والتسلط وعدم الإندماج بالدفع, ويعرف الخاطر الملكي بأنه الباعث على مندوبٍ أو مفروض وفي الجملة على كل ما فيه صلاح, ويعرف الخاطر النفساني بأن أكثره ما يدعو مع المعاودة الى اتباع شهوةٍ أو استشعار كِبْرٍ, أو ما هو من خصائص أوصاف النفس, ويعرف الخاطر الشيطاني بأنه يدعوا إلى مخالفة الحقِّ ويعاود إلى مخالفة أخرى .
وخلاصة القول أن ما فيه قربةٌ أو مخالفة نفسٍ فهو إما ربانياً أو ملكياً, وأن ما فيه كراهةٌ أو مخالفةٌ شرعاً أو هوى وموافقة نفسٍ فهو إما نفسانياً وإما شيطانياً, والصادق الصافي القلب الحاضر مع الحق سهلٌ عليه الفرق بين الخواطر بتيسير الله وتوفيقه .
11- حضرة القدس:
الحضرة لغةً: الجنبُ والقرب والفناء ومكان الحضور ذاته , وتطلقُ عند أهل الترسّل على كل كبير يحضر عند الناس, يقال:كلّمته بحضرة فلان, أي بمشهد منه.
والقُدْس لغةً والقُدُس: مصدران بمعنى الطهر, والبيت المقدس, وجبريل . وأيضاً التنزيه , وحظيرة القُدْس: الجنة .
وحضرة القدس في اصطلاح القوم هو مكان الدنو والتدلي, قال تعالى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} .
جاء في حزب السيف:
(وروّح جناني بمعالم أسرارك الواردة من حضرة القدس الخاصةِ الصديقين).
وجاء في حزب الهمزة:
وبحضرة القدس التي شُغفت بها أكبادِ رٌسْل الله والأنباءِ
12- الذوق والشرب:
الذوق في اللغة: اختبار الطعم وجذب وتر القوس اختبارا لها, والشرب مصدر وهو السقي, والذوق أيضاً المقاساة والاختبار والطبع والطعم, والشرب الجرع والإرتواء.
الذوق: أول درجات شهود الحق بالحق وهو أول مبادئ التجليات الإلهية, وهو نور عرفاني يقذفه الحق بتجلّيه في قلوب أوليائه يفرّقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره.
والشرب: تلقي الأرواح والأسرار الطاهرة لما يرد عليها من كرامات وتنعمها بذلك, فشبّه ذلك بالشرب لتهنّيه وتنعمه بما يرد على قلبه من أنوار مشاهدة قرب سيده, ويسمون حلاوة الطاعة ولذة الكرامة وراحة الأنس شُرباً للقلب. والذوق والشرب في اصطلاح القوم أن الذوق إذا زاد وبلغ أوسط مقام الشهود يسمّى شُرباً, فإذا بلغ النهاية يسمّى رِياً, وذلك بحسب صفاء السر عن لحوظ الغير. وصاحب الذوق متساكر, وصاحب الشرب سكران, وصاحب الري صاحٍ, ومن قوي حبه تسرمد شربه, ومن صفا سره لم يتكدر عليه الشرب, ومن صار الشراب له غذاء لم يصبر عنه ولم يبق دونه.
وجاء في حزب الهمزة:
وبِعيدِ أهل الله ثم بذوقهم بوصالهم بالدرة البيضاء
13- الروح :
الرّوحُ في اللغة بالضم , ما به حياة الأنفس, ويؤنّث, والقرآن, والوحي, وجبريل وعيسى عليهما السلام, والنفخ, وأمر النبوة , وحكم الله تعالى, وأمره, ومَلَكٌ وجهه كوجه الإنسان وجسده كالملائكة, والرُوحاني بالضمّ ما فيه الروح وكذلك النسبة إلى المَلَكِ والجن . وهو اللطيفةُ العالمةُ المدركةُ من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني، نازلٌ من عالم الأمر تعجز العقول عن إدراك كنهه، وتلك الروح قد تكون مجردة, وقد تكون مطبقة في البدن, والروح الحيواني: جسمٌ لطيفٌ منبعه تجويف القلب الجسماني, وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن .
والروح في اصطلاح أهل الله معنى يحيا به الجسد, ومختلفٌ فيها عند أهل التحقيق من أهل السُنّة, فمنهم من يقول إنها الحياة , ومنهم من يقول إنها جسم يلْطُفُ عن الحسِّ, ويكبر عن اللَّمس, وأنها مخلوقة قبل الأجساد, وأنها لطيفٌ قام في كثيف كالبصر، ونسيمٍ طيبٍ يكون به الحياة , واللطيفة الإنسانية المجرّدة والبخار اللطيف المتولد في القلب, القابلُ لقوة الحياة والحس والحركة , والروح الخفيّ ويسميه السالكون بالأخفى, فهو نورٌ ألطفُ من السرّ والروح, وهو أقرب إلى عالم الحقيقة. وثمة روح أخر ألطف منه ولا يكون إلا للخواص . قال يحي بن معاذ رحمه الله (روح وليِّ الله في القدُس تشغله بمولاه) يعني الأنس بالله من القرب .
وروح القدس هو روح الأرواح , وهو المنّزه عن الدخول تحت حِيطة (كُنْ) لأنه وجهٌ خاصٌ من وجوه الحق . وروح الإلقاء هو جبريل عليه السلام وقد يطلق على القرآن . والروح الأعظم الذي هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها, لا يعلم كنهها إلا الله, وهو العقل الأول, والحقيقة المحمدية, والنفس الواحدة, والحقيقة الإسمائية, وهو أول موجود خلقه الله على صورته, وهو الخليفة الأكبر, وهو الجوهر النوراني, جوهريته مظهر الذات, ونورانيته مظهر علمها, ويسمى باعتبار الجوهرية نفساً واحدة, وباعتبار النوارنية عقلاً أولاً, وكما أن له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول, والقلم الأعلى, والنور والنفس الكليّة, واللوح المحفوظ, وغير ذلك، له في العالم الصغير الإنساني مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه في اصطلاح أهل الله وغيرهم , وهي السرّ والخفاء, والروح, والقلب, والكلمة, والرّوعُ, والفؤاد, والصدر, والعقل, والنفس . وأسْلَمَ ما قيل في الرّوح قول الجنيد رحمه الله: (الروح شيء استأثر الله بعلمه, ولم يطلع عليه أحدٌ من خلقه, ولا يجوز العبارة عنه بأكثر من موجود, لقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} .
جاء في الدرة الشريفة: (اجمع اللهم بيننا وبينه - يعني الرسول صلى الله عليه وسلم - في الدنيا قبل الآخرة , ليكون حياة أرواحنا وسمير أشباحنا).
وجاء في حزب السيف: (وألّف لي بفضلك مفتاح أهل النجاح لتنقاد إليّ الأرواح وتتصاغر لديّ الأشباح)
وجاء في ورد السحر (إلهي بروح القدس قدّس سرائرنا, وبروح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خلّص معارفنا, وبروح أبينا آدم اجعل أرواحنا سابحات في عوالم الجبروت).
14- الرؤية:
الرؤية لغةً: النظر بالعين وبالقلب , وفي اصطلاح القوم: هي المشاهدة بالبصر-لا بالبصيرة- حيث كان, أي في الدنيا والآخرة .
وجاء في حزب الهمزة:
بالرؤية اللاتي بكم منكم لكم وبوجد أهل الله دم لي هنائي
وجاء في القصيدة الميمية للعارف بالله الشيخ مصطفى البكري: (بأسرارك اللاتي سترت جمالها فلم يرها إلا فتى في الهوى تمّا)
وقال الشيخ عبد الرحمن الشريف قدس الله سرّه:
واستهلك النفس وافن الكل فيه كذا واستغرق الروح والق الحجب علّ ترى
15- السبوحيّة:
التسبيح في اللغة تنزيه الله من الصاحبة والولد , وبمعنى الصلاة وقول سبحان الله, وُسبّوح بالضم والفتح من صفاته تعالى لأنه يُسبَّحُ , والسبّوحية إسم نسبة.
جاء في الدرة الشريفة (وآخر خليفة لحضرتك السبّوحية).
وجاء في ورد السحر (إلهي خصني بمددك السبّوحي ليحيا بذلك لُبّي وروحي).
16- الستر والتجلّي:
الستر لغةً: وهو ما يُستر به والخوف والحياء , والتجلّي: الظهوروالانكشاف والاستعلان .
وفي إصطلاح القوم الستر: كل ما سترك عما يفنيك, وقد يكون الوقوف مع العادات أو نتائج الأعمال , أو كل ما يحجبك عمّا يعنيك كغطاء الكون . التجلّي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب , وقيل إشراق أنوار إقبال الحق على قلوب المقبلين عليه , وهو على ثلاث أحوال: تجلّي ذات وهي كشوف القلب في الدنيا, وتجلي صفات الذات , وهو أن تتجلى له قدرة الله عليه فلا يخاف غيره ولا يرجو سواه, وتجلي حكم الذات وهو في الآخرة .
والستر والتجلّي: قال النووي رحمه الله"تجلّى لخلقه بخلقه , واستتر عن خلقه بخلقه"وقال أيضا"بتجليه حسُنت المحاسن وجمُلت, وباستتاره قَبُحت وسَمُجت" , والعوام في غطاء الستر, والخواص في دوام التجلّي, والستر للعوام عقوبة, وللخواص رحمة , إذ لولا أنه يستُر عليهم ما يكاشفهم به لتلاشوا عند سلطان الحقيقة .
قال الشيخ مصطفى البكري قدس الله سرّه في ورد السحر"إلهي خطفت عقول العشّاق بما أشهدتهم من سناء أنوارك مع وجود أستارك , فكيف لو كشفت لهم عن بديع جمالك ورفيع جلالك".
وقال أيضاً:"وأشهدني خفيّ تجليات صفاتك".
17- السرّ:
السرّ لغة: ما يُكتم , والأصل, والأرض الكريمة, وجوف كل شيء ولبّه , ومستهل الشهر أو آخره أو وَسَطه , ومحض النسب وأفضلُه, وله معاني أخر . والسرّ أيضاً الطريقة .
والسرّ في اصطلاح أهل الحقيقة: لطيفةٌ مودعة في القلب كالروح في البدن وهو محل المشاهدة , وما خفي عن الخلق فلا يعلم به إلا الحق , وخفاءٌ بين العدم والوجود موجودٌ في معناه , وما غيّبه الحق ولم يُشرف عليه الخلق, فسرّ الخلق ما أشرف عليه الحق بلا واسطة , وسرّ الحق ما يطلّع عليه إلا الحق .
وعند القوم السرّ ألطف من الروح , والروح أشرف من القلب , ويطلق لفظ السرّ على ما يكون مصوناً مكتوباً مابين العبد والحق سبحانه في الأحوال، ولذلك قالوا"صدور الأحرار قبور الأسرار" , وقيل السرّ إخفاء حال المحبة , وقيل السرّ محل المشاهدة , والروح محل المحبة , والقلب محل المعرفة . وقيل السرّ ثلاثة: سرّ العلم وهو حقيقةُ العالِمين بالله عز وجل , وسرّ الحال وهو معرفة مراد الله في الحالِ من الله , وسرّ الحقيقة وهو ما وقعت به الإشارة .
وسرّ السرّ ما انفرد به الحق عن العبد , كالعلم بتفصيل الحقائق , قال تعالى"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" , وقيل سرّ السرّ ما لا يُحِسُّ به السرّ, فإن أحس به فلا يقال له سرّ , قال القائل:
يا سرّ سرّ يدق حتى يخفى على وهمِ كلّ حيّ
وظـاهرٍ باطنٍ تجلّى من كل شيءٍ لكل شيّ
وسرّ الربوبية هو توقفها على المربوب, قال سهل:"للربوبية سرّ لو ظهر لبطلت الربوبية"وسرّ سرّ الربوبية هو حصول الربوبية في الحقيقة بالحق والأعيان معدومة بحالها في الأزل , فلسرّ الربوبية سرّ به ظهرت ولم تبطل . وسرّ القدر ما عَلِمَهُ الله من كل عينٍ في الأزل مما انطبع فيها من أحوالها التي تظهر عليها عند وجودها .
جاء في حزب السيف (متوجين بإكليل عناية رفعة سرّك الأجلى). وجاء في حزب الهمزة:
وبسرّ قربك للمحب أحبني حباً به تمحو جميع شقائي
وبسرّ سرّ السرّ من أخفيته نلني اطلاعاً كاشفاً لعمائي
و بسر كل العارفين الأصفياء وبأهلِ سلككَ أظهرن خفائي
وجاء في ورد السحر (وبسرّ سرّ سرّك الذي لا تفي بالأفصاح عن حقيقته الرقائق. وجاء أيضاً: (إلهي ثبتني لحمل أسرارك القدسيّة). وجاء أيضاً (وزين سرّي بالأسرار),(وطهر أسرارنا من الشكوى), (وكنوز أسرار ذاتك).
18- الشاهد:
في اللغة هو الحاضر, ومن يؤدي ما عنده من الشهادة , ومن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم, واللسان, والمَلَك, ويوم الجمعة , والنجم، وما يشهدُ على جودة الفرس, وصلاة الشاهد: صلاة المغرب , ومن الأمور السريع.
وفي أصطلاح أهل الحقيقة: هو ما يحضر القلب من أثر المشاهدة إما بعلم لدنّي لم يكن له فكان, أو وجْدٍ, أو حالٍ, أو تجلٍّ أو شهودٍ , والشاهد ما يُشهِدك بما غاب عنك يعني يُحضِّر قلبك لوجوده , قال القائل:
(وفي كل شيء له شاهدٌ يدل على أنه واحد )
وقيل هو ما كان حاضراً في قلب الإنسان وغلب عليه ذكرُهُ حتى كأنه يراه ويبصره وإن كان غائباً عنه .
19- الشريعة والحقيقة والطريقة:
الشريعة في اللغة: ما شرع الله تعالى لعباده . والحقيقة ما يجب على الإنسان أن يحميه , وضد المجاز , وحقيقة الشيء منتهاه وأصله . وقيل هو الشيء الثابت قطعاً ويقيناً .
والطريقة لغةً: هي النخلة الطويلة والحالة، وعمود المظلة، وشريف القوم، والمذهب، والخط في الشيء، والصناعة وغيرها. والشريعة في اصطلاح الصوفية أمرٌ بالتزام العبودية, والطريقة هي العمل بالشريعة، قال تعالى: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً}، والحقيقة مشاهدة الربوبية, وكل شريعة مؤيدة بالحقيقة, وكل حقيقة مقيدة بالشريعة, فالشريعة للتكليف والحقيقة للتعريف, والشريعة ان تعبده والحقيقة ان تشهده .
وقيل أيضاً الشريعة بدون الحقيقة رياء, والحقيقة بدون الشريعة نفاق، لقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} , فالمجاهدة شريعة , والهداية حقيقة , فالشريعة حفظ العبد لأحكام الظاهر على نفسه, والحقيقة حفظ الحق لأحوال الباطن عن العبد, والشريعة من المكاسب والحقيقة من المواهب .
جاء في الرسالة الخيريّة للشيخ خير الدين الشريف قدس الله سرّه: (الشريعة هي الأقوال الواردة في الكتاب والسنة , والطريقة هي المتابعة لها بالفعل, ونتيجة الأفعال المشاهدة الحقيقية). وقال الشيخ عبد الرحمن الشريف في رسائله (إن الشريعة أقوال والطريقة أفعال والحقيقة أنوار والمعرفة أسرار, فالشريعة القشر الظاهر والطريقة اللّب الفاخر والحقيقة الذهن الذي لا يدرك إلا بالذوق والمعرفة هي اللّذة المعجلة لأهل الحبّ فيه والشوق). ويقول في موضعٍ آخر (إعلم أن العلم منحصرٌ في أربعة أنواع: الأول ظاهر الشريعة في الأمر والنهي وباطنها يسمى الطريقة, وباطن الطريقة يسمى معرفة, وبطن البطون يسمى علم الحقيقة , فالشريعة شجرة والطريقة أغصانها والمعرفة أوراقها والحقيقة ثمارها , والقرآن جامعٌ لجميعها بالدلالة والإشارة تفسيراً وتأويلاً).
20- الصحو والسكر:
الصحو لغةً: ذهاب الغيم والسكر وترك الصبا والباطل, والسكر: نقيض الصحو, والسكر أيضا محركة الخمر والنبيذ وكل ما يُسكر والخل والطعام والامتلاء والغضب والغيظ .
والصحو: رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة بوارد قوي , والسكر: غيبةٌ بواردٍ قوي, وهو يعطي الطرب والإلتذاذ، وهو أقوى من الغيبة وأتمَّ منها , ولا يكون إلا لأصحاب المواجد، فإذا كوشف العبد بنعت الجمال حصل السكر وطاب الروح وهام القلب . والصحو والسكر معناهما قريب من معنى الغيبة والحضور, غير أن الصحو والسكر أقوى وأتمّ وأقهر من الغيبة والحضور، والفرق بين السكر من الخمر وغيرها والسكر من الوجد, أن الأول يقتضي الغيبة عن الأشياء واختلاط الكلام والمشي, والثاني وهو حالٌ شريفٌ لا يقتضي الغيبة عن الأشياء , والغشية غير السكر فهي تغيّر الطبع والحواس وتنقضي منها الطهارة وأنها لا تدوم . قال الواسطي:"مقامات الوجد أربعة: الذهول ثم الحيرة ثم السكر ثم الصحو, كمن سمع بالبحر, ثم دنا منه, ثم دخل فيه, ثم أخذته الأمواج"والسكر لأرباب القلوب.
وجاء في الغيبة والحضور والصحو والسكر في حزب الهمزة:
بالسكرِ و الغيباتِ من صـحوٍ كـــــذا بالشربِ والري العلي ثنــــــــــاء
بالصحوِ أرجعنا إلى الإحساسِ من بعد الهباءِ وغيبةِ النــــــــــــزلاء
21- الطمس:
من الشيء والإهلاك, وطمسَ بعينه: نظر نظراً بعيداً, وطمس الرجل: تباعد, والطامس: البعيد, ورجل طامس القلب: ميّته, ومطموس: ذاهب البصر . وقال تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} , يعني ذهب ضوؤها .
وفي اصطلاح القوم: هو ذهاب سائر الصفات البشرية في صفات أنوار الربوبية . فتفنى صفات العبد في صفات الحق تعالى , وقال عمرو المكي رحمه الله:"وإنك لا تصل إلى حقيقة الحق حتى تسلك تلك الطرقات المنطمسة". يعني تُنازِل تلك الأحوال التي لم ينازلها أحدٌ غيرُك وقد ذهب أثرها .
جاء في حزب الهمزة:
بالطمسِ سر بي عن العوالمِ كلـــها بالوصلِ أوصل ربنا أقصائـــــــي
22-علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين:
العلم لغةً: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وقيل: إدراك الشيء على ما هو به، وقيل: زوال الخفاء، وقيل: وصول النفس الى معنى الشيء وهو نقيض الجهل, وهو إما قديم أو حادث, فالعلم القديم هو القائم بذاته تعالى ولا يشبَّه بالعلوم المحدثة للعباد, والعلم المحدث ثلاثة أقسام: بديهي وهو ما لا يحتاج إلى مقدمات كالعلم بوجود نفسه وأن الكل أعظم من الجزء, والضروري وهو ما لا يحتاج فيه إلى تقديم مقدمة كالعلم الحاصل بالحواس الخمس, والاستدلالي وهو الذي لا يحصل بدون نظر وفكر كالعلم بثبوت الصانع وحدوث الأعراض .
والعين لغةً: الباصرة والإنسان وينبوع الماء ومفجره وجريانه والجاسوس والحاضر من كل شيء وحقيقة القبلة وخيار الشيء وذات الشيء والسيد وكبير القوم والسحاب والشمس أو شعاعها والعتيد من المال , والناحية وغيرها .
والحق لغةً: من أسماء الله تعالى أو من صفاته والقرآن وضد الباطل والأمر المقضيّ والعدل والاسلام والمال والملك والموجود الثابت والصدق والموت والحزم وحقيقة الأمر وصحته وغيرها .
واليقين لغةً: التحقق ويطلق على الموت, وعليه يكون اليقين اعتقاد الشيء بما يطابق الواقع ولا يمكن الزوال .
والعلم في اصطلاح أهل الحقيقة هو المجرد من المعنى والخالي من المعاملة ، وهو صفة نفسية أزلية , والعين في الإصطلاح إشارة إلى ذات الشيء الذي تبدو منه الأشياء , والحق هو اسم من أسمائه تعالى, والشيء الحق أي الثابت حقيقةً، ويستعمل في الصدق والصواب أيضاً , واليقين هو العلم الذي لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف, ولا يطلقُ في وصفه سبحانه لعدم التوقيف .
وعلم اليقين: هو العلم بمعاملات الدنيا وأحكام الأوامر وهو درجة العلماء بحكم استقامتهم على الأحكام , وقيل هو ما يحصل من طريق النظر والاستدلال وهو للأولياء .
وعين اليقين: هو العلم بحال النزع وقت الرحيل عن الدنيا، وهو مقام العارفين بحكم إستعدادهم للموت , وقيل هو ما يحصل من طريق الكشوف والنوال وهو لخواص الاولياء .
وحق اليقين: هو العلم بكشف الرؤية في الجنة وكيفية أحوالها بالمعاينة وهو محل فناء الأحبة بحكم إعراضهم عن كل الموجودات , وقيل: هو حقيقة ما أشار إليه علم اليقين وعين اليقين وهو للأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وهو معرفة الله بالمشاهدة والمعاينة . وقال التهانوي في إصطلاحات الفنون: علم اليقين كمن علم بالعادة أن في البحر ماء , وعين اليقين كمن مشى ووقف على ساحله وعاينه, وحق اليقين كمن خاض فيه واغتسل وشرب منه.
وقال الهجويري في كشف المحجوب: علم اليقين بالمجاهدة, وعين اليقين بالمؤانسة, وحق اليقين بالمشاهدة, والأول عام, والثاني خاص, والثالث خاص الخاص. وقال الجرجاني في التعريفات: علمُ كل عاقل الموت علم يقين, فإذا عاين الملائكة فهو عين اليقين, فإذا ذاق الموت فهو حق اليقين, وقيل علم اليقين ظاهر الشريعة, وعين اليقين الإخلاص فيها , وحق اليقين المشاهدة فيها.
جاء في حزب الهمزة:
و أنــلنا معرفةَ اليقينِ و عينــِــــــه بالحقِ وامحُ الغيرَ من أحشائــــــي
23-العوالم الروحية والروحانية والنورانية والناسوتية:
العالم في اللغة: الخلق كلّه أو ما حواه بطنُ الفلك , ويجمع على عوالم وعالَمون وعلالم .
والعالم في اصطلاح أهل الحقيقة: عبارة عن مخلوقات الله ويقولون: ثمانية عشر ألف عالم وخمسون ألف عالم , والفلاسفة يقولون أنه عالمان: علوي وسفلي , وعلماء الأصول يقولون: كل ما هو موجود من العرش إلى الثرى عالم , وفي الجملة العالم هو اجتماع المختلفات .
والعالم الروحّي والروحاني: هو عالم الأرواح والروحانيات والتي وجدت بأمر الحق بلا واسطةِ مادةٍ ومُدَّةٍ . ويقال: هو عالم العقول والنفوس , ويقال: هو عالم الأمر وعالم الملكوت وعالم الغيب.
والعالم النوراني: هو عالم النور وهو عالم تجلّي الله باسمه الظاهر, أي الوجود الظاهر في صور الأكوان كلها, وقد يطلق على كل ما يكشف المستور من العلوم الذاتية والواردات الإلهية التي تطرد الكون عن القلب . والنور اسم من أسماء الله تعالى, والنور الإلهي هو نور ذات الله تعالى . ونور الإيمان من وراء الحجب ونور اليقين عند كشف الحجاب , ونور الأنوار ونور النور هو الحق تعالى (معنى ذوقي).
والعالم الناسوتي: هو عالم الشهادة أي الدنيا , وقيل: هو عالم الخلق وعالم الملك وعالم الشهادة, أي عالم الأجسام والجسمانيات, وهو ما يوجد بعد الأمر بمادةٍ ومدّةٍ. ومن العوالم عالم الجبروت وهو عالم الأسماء والصفات الإلهية.
جاء في حزب السيف (وسخر لنا العوالم الروحية والروحانية والنورانية والناسوتية)، وجاء أيضاً (وآخر خليفة أفيض إلى النوع الناسوت).
24- الغيبة والحضور:
الغيبةُ بكسر الغين وفتحها مصدر لما غاب عنك, والحضور ضد الغيبة , والغَيبة: البُعد والمباينة، والغِيبة: ذكر العيب والسوء, والحضور ضد الغيبة .
الغيبة: غيبة القلب عن مشاهدة الخلق، بحضوره ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر العبد , ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره بواردٍ من تذكر ثوابٍ أو تفكر عقابٍ، والحضور: حضور القلب بالحق عند غيبته , أو حضوره لما غاب عن عيانه بصفاء اليقين فهو كالحاضر عنده وإن كان غائباً عنه .
والغيبة والحضور: أن العبد على حسب غيبته على الحق يكون حضوره بالحق , وقد يقال رجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه وأحوال الخلق أنه حضر أي رجع عن غيبته وهذا يكون حضوراً بخلق, وإن غاب بالكلية على الخلق يكون حضوراً بالحق, وقد تختلف أحوال القوم في الغيبة فمنهم من لا تمتد غيبته ومنهم من تدوم غيبته . ومما يشهد على الغيبة والحضور قصة النسوة اللاتي قطّعن أيديهن حين شاهدن يوسف عليه السلام , فإذا كانت مشاهدة جمال يوسف مثل هذا , فكيف يكون غيبة مشاهدة أنوار ذي الجلال , أو التجلي بحال القرب من المحبوب (الله), أو الغيبة بحسن الظن بالله.
وجاء في الغيبة والحضور والصحو والسكر في حزب الهمزة:
بالسكر والغيبات من صحوٍ كذا بالشرب والريّ العليّ ثناء
بالصحو أرجعنا إلى الإحساس من بعد الهباء وغيبة النزلاء
25- الفناء والبقاء:
الفناء في اللغة من فني: العدم , والبقاء ضد الفناء, والفناء الهلاك، والبقاء: الدوام والثبات.
والفناء, فناء صفة النفس , وعدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازمها , وسقوط الأوصاف المذمومة , والغيبة عن الأشياء كما كان فناء موسى عليه السلام حين تجلّى ربه للجبل .
والبقاء رؤية العبد قيام الله على كل شيء , وقيام الأوصاف المحمودة , وسبيله وطريقه هو طريق الشيخ والمرشد الذي هو الإنسان الكامل الباقي بالعشق دائماً .
الفناء والبقاء: أن يفنى العبد عن حظوظه ويبقى بحظوظ غيره والحق يتولى تصريفه في وظائفه وموافقاته سبحانه , وأشار قومٌ بالفناء والبقاء إلى سقوط الأوصاف المذمومة وقيام الأوصاف المحمودة .
جاء في حزب الهمزة:
وبكل مجتهد سمــا بعلومه وبأهـل علمك حققـنّ فنـائي
بفنائهم وصفائهم أفن الفؤاد عن السِّوى، واجعلنا أهل صفاء
يا أخراً لا إنتهاء لوجوده أدم الشهـود لنا بكـل بقـاء
26- الفَيض:
الفيض لغةً: كثرة الشيء حتى يسيل, والإباحة بالسِّر, والموت وخروج الروح, والشيوع, والنيل وشط العرب, والكثير الجري من الخيل, والإفراغ والاندفاع .
والفيض في اصطلاح أهل الحقيقة: عبارة عمّا يُفيد التجلّي الإلهي ويتعين ذلك ويتقيد بحسب المتجلي , والتجلّي ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب , قال سهل: (التجلّي على ثلاثة أحوال: تجلّي الذات وهي المكاشفة, وتجلّي صفات الذات, وهي موضع النور, وتجلّي حُكْم الذات, وهي الآخرة وما فيها)، ومعنى قوله تجلّي ذات هي كشوف القلب في الدنيا كقول عبد الله ابن عمر (كنا نتراءى الله في ذلك المكان)، يعني في الطواف , وقوله صلى الله عليه وسلم: (أعبد الله كأنك تراه) , وكشوف العيان في الآخرة, ومعنى قوله تجلي صفات الذات هو أن تتجلّى له قدرة الله عليه فلا يخاف غيره , وكفايته له فلا يرجو سواه , ومعنى قوله تجلّي حكم الذات هو في الآخرة:{فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير) .
جاء في حزب السيف (ممزوجين بفيضٍ من عظمة برهان جمال قدسك الأعلى)، وجاء أيضاً: (وطهرنا بفيض نور كرمك).
27- القرب والبعد:
القرب لغةً الدنو, وهو خلاف البُعد , والبعد التنحي والموت واللّعن وهو خلاف القرب .
والقرب عند الصوفية: القيام بالطاعة , والانقطاع عما دون الله , وأن ترى صنائعه ومننه عليك وتغيب فيها عن رؤية أفعالك ومجاهداتك , والإتصاف في دوام الأوقات بعبادته . والقرب في الدنيا يكون إما قرب فرائض, وهو فناء العبد بالكلية في الله تعالى فلا يشعر بجميع الموجودات حتى نفسه، ولا يبقى في نظره إلا وجود الحق سبحانه وهو ثمرة الفرائض, أو قرب نوافل وهو زوال الصفات البشرية وظهور صفاته تعالى عليه وهو فناء الصفات في صفات الله تعالى وهو ثمرة النوافل . القرب في الدنيا من قرب ايمان وتصديق إلى قرب إحسان وتحقيق وقرب الحق في الدنيا من العرفان, وفي الآخرة شهود وعيان .
والبعد هو التدنس بمخالفة الله سبحانه والتجافي عن طاعته , فأوله بعد عن التوفيق ثم عن التحقيق . ومما قيل في القرب قوله عز وجل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} , ومما قيل في القرب قوله صلى الله عليه وسلم مخبراً عن الحق سبحانه: (وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليّ مما افترضت عليه , وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه...) الحديث ومما قيل في البُعد قـوله تعـالى: {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} .
جاء في حزب السيف:
وبيقظة الألباب من غفلاتها بالحبِّ والشوق المقرِّب نائي
وبسرِّ قُربك للمحبّ أحبني حُباً به تمحو جميع شقائي
وجاء في النصائح الرحمانية: (إنما اشتبه عليك القرب بالظهور والبطون).
28- القهرموتية:
وهو في اصطلاحات أهل الحقيقة يجمع بين القهر والموت وينسب إليهما, والقهر في اصطلاح القوم (تأييد الحق بإفناء المرادات, ومنع النفْس عن الرغبات, من غير أن يكون لهم في ذلك مراد) . والموت في اصطلاح القوم قمعُ هوى النفس , ومنه الموت الأبيض وهو الجوع , والأحمر وهو مخالفة النفس , والأخضر وهو لبس المرقّع من الخرق الملقاة التي لا قيمة لها , والأسود وهو احتمال أذى الخلق. وبالجمع بين الإصطلاحين تكون القهرموتية هي أن يَرُدَّ الحقُ تعالى العبد عن مراد نفسه إلى مراده , ويُقهره بغير مراده, ويُميتُ نفسه عن هواها بقمعه, فينصرف القلب بالطبع والمحبة الأصليّة إلى عالم القدس والنور والحياة الذاتية التي لا تقبل الموت أصلاً, قال صلى الله عليه وسلم: (المجاهدُ من جاهد نفسه, فمن مات عن هواه, فقد حَييَ بهداه من الضلالة, وبمعرفته عن الجهالة) . وقال تعالى: {أفمن كان ميتاً فأحييناه} . وقد تكون القهرموتية من القهرمة, وهي فعل القهرمان وهي لفظة أعجمية استعملتها العرب بمعنى الوكيل. جاء في الدرة الشريفة: (وبجلال صولة عنايتك القهرموتية).
وجاء في حزب السيف: (فبقهرموت سريع غيرتك نكّلهم).
29- اللوائح والطوالع واللوامع:
اللوائح في اللغة: ما يلوح, أي يبدو، وللبرق ومضُه , والطوالع: ما يظهر, والأهلّة والفجر الكاذب, والأسهم تقع وراء الهدف , واللوامع: ما يضيء ويبرق .
واللوائح في اصطلاح القوم: هي ما يلوح من الأسرار الظاهرة الصافية من السمو من حالةٍ الي حالةٍ أتمَّ منها, والإرتقاء من درجةٍ إلى ما هو أعلى منها , وهي من مبادىء الحال ومقدماته , وهي من صفات أصحاب البدايات الصاعدين في الترقي بالقلب , وقد تطلق على ما يلوح للحسّ من عالم المثل , كحال ساريةٍ لعمر رضي الله عنه . قال الجنيد رحمه الله:"لقد فاز قومٌ دلّهم وليّهم على مختصر الطريق" .
والطوالع: هي أنوار التوحيد يَطلُع على قلوب أهل المعرفة شعاعها فيطمسُ سلطانُ نورها الألوان كما أنّ نور الشمس يمحو أنوار الكواكب , وهي أول ما يبدو من تجليات الأسماء الإلهية على باطن العبد, فيحسِّن أخلاقه وصفاته بتنوير باطنه , وهي موقوفةٌ على خطر الأفول .
واللوامع أنوارٌ ساطعةٌ تلمع لأهل البدايات من أرباب النفوس الضعيفة الطاهرة فتنعكس من الخيال الى الحس فتصير مشاهدة بالحواس الظاهرة فيتراءى لهم أنوارٌ كأنوار الشهب والقمر والشمس , فتضيء ما حولهم, فهي إما من غلبة أنوار القهر والوعيد على النفس فتضرُبُ إلى الحمرة, وإما من غلبة أنوار اللطف والوعد فتضرُب إلى الخضرة , وهي أظهر من اللوائح وليس زوالها بنفس السرعة , ويوردها الله تعالى في صفاء الأوهام كمثل لوامع البرق بعضها في أثر بعض . ومجمل القول أن هذه الألفاظ متقارنة المعنى وهي من صفات أصحاب البدايات الصاعدين في الترقي بالقلب, فتكون أولاً لوائح ثم لوامع ثم طوالع .
قال الشيح عبد الرحمن الشريف قدّس الله سرّهُ في حزب الهمزة:
وبسرّ سرّ السرّ من أخفيته نلني اطلاعاً كاشفاً لعمائي
30- المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة:
المحاضرة في اللغة: المطالبة والاجابة بما حضر من الجواب والخطاب, والمكاشفة: الإظهار والإطلاع والمجاهرة , والمشاهدة: المعاينة .
المحاضرة: حضور القلب مع الحق , وعلامتها دوام الفكر في شواهد الآيات, واستيلاء سلطان الذكر .
المكاشفة: وهي حضورٌ لا ينعت بالبيان , وتطلق على تحير السرّ في خطر العيان، وعلامتها دوام التحيّر في كُنه العظمة , وصاحب المكاشفة مبسوط بصفاته
المشاهدة: وتطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد, ورؤية قدرة الحق في الأشياء , ومشاهدة الحق هي حقيقة اليقين بلا إرتياب .
المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة: المحاضرة في شواهد الآيات، والمشاهدة والمكاشفة تتقاربان في المعنى وهما: إلتماس القلب دوام المحاضرة لما وارته الغيوب , والمكاشفة لأهل العين بين المحاضرة والمشاهدة إلى أن تستقر .
قال الشيخ مصطفى البكري في ورد السحر: (إلهي طهّر سريرتي من كل شيء يبعدني عن حضراتك)، وقال أيضاً: (اللهم رقّق حجاب بشريتي بلطائف إسعافٍ من عندك لأشهد ما انطوت عليه من عجائب قدسك).
وقال أيضاً: (ولهيب قلوبنا إلى مشاهدة جمالك لا يطفى). وقال أيضاً: (فكيف لو كشفت لهم عن بديع جمالك ورفيع جلالك).
31- المحو والإثبات:
المحو في اللغة: إذهاب الأثر , والإثبات: عدم المفارقة والتأكيد بالبينة , والمعرفة.
المحو: هو إزالة أوصاف العادة, ويكون على ثلاث طرق: محو الذّلّةِ عن الظواهر, والغفلة عن الضمائر, والعلّة عن السرائر , وقيل إزالة أوصاف النفوس أو محوِ رسوم الأعمال بنظر الفناء إلى نفسه ومأمنه , وقيل المحو ذهاب الشيء إذا لم يبقَ له أثر, وإذا بقي له أثر فيكون طمساً , وقيل ماستره الحق ونفاه . والإثبات: إثبات سلطان الحقيقة وما يقتضي المثبت , وقيل إثبات النفْس بما أنشأ الحق لها من الوجوديّة , وقيل ما أظهره الحق وأبداه .
والمحو والإثبات: رفع أوصاف العادة وإقامة أحكام العبادة , فمن نفى عن أحواله الخصال الذميمة وأُتي بدلها بالأفعال والأحوال الحميدة فهو صاحب محو وإثبات, والمحو والإثبات صادران عن القدرة ومقصوران على المشيئة , قال تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} , قيل يمحو عن قلوب العارفين ذكر غيره تعالى, ويثبت على ألسِنةِ المريدين ذكره سبحانه , ومن محاه الحق عن إثباته به, ردّهُ إلى شهود الأغيار وأثبته في أودية التفرقة . وأيضاً تبدل الأحوال و المقامات أثناء السلوك مابين محو وإثبات لأن قلب العبد بين أُصبعين من أصابع الحق يقلبه كيف يشاء, ولذلك كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
قال العارف بالله الشيخ مصطفى البكري في ورد السحر يناجي الله سبحانه وتعالى: (وأمح من ديوان الأشقياء شقيّنا واكتبه عندك في ديوان الأخيار)، أكتبه بمعنى أثبته , قال تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .
32- المقام:
المقام في اللغة: موضع القدمين , والمنزلة, وهو ما يتوصل إليه العبد بنوعِ تصرّفٍ، ويتحقق به بضربِ طلبٍ ومقاساةِ تكلفٍ , فمقام كل واحدٍ موضع إقامته عند ذلك, وشرطه أن لا يرتقي من مقام إلى آخر مالم يستوفِ أحكام المقام السابق , ولكل واحدٍ من مريدي الحق مقامٌ يستقر فيه تبعاً لجبلّته لا لمسلكه, قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ}. ومقام آدم: التوبة, ونوح: الزهد, وإبراهيم: التسليم, وموسى: الإنابة, وداوود: الحزن, وعيسى: الرجاء, ويحي: الخوف, ومحمد : الذكر, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
وقيل هو الوصف الذي يثبت على السالك ويقيم , فإن لم يثبت سمّي حالاً .
ورد في حزب الهمزة:
بالزاجرات وأهلها ومقامهم وبسيرهم من عالم الأشياء
وقال شيخنا الشيخ عبد الرحمن الشريف في نصائحه (حفظ العهود فيه الورود لأقرب مقام محمود).
33- النَّفَس:
النَّفَس لغةً: واحد الأنفاس والسّعة والفسحة في الأمر، والجَرعَةُ والريُّ والطويل من الكلام والفرج والنصرة . وفي اصطلاح أهل الحق: روحٌ يسلطه الله على نار القلب ليطفىء شرّها شررها . وهي أيضاً نَفَس العبد, قال الجنيد رحمه الله:"أُخِذَ على العبد حفظُ أنفاسه على ممر أوقاته" . وقيل هي ترويح القلوب بلطائف الغيوب, وصاحب الأنفاس أرقُّ وأصفى من صاحب الأحوال, فصاحب الوقت مبتديء وصاحب الأنفاس منتهي, وصاحب الأحوال بينهما , فالأوقات لأصحاب القلوب, والأحوال لأرباب الأرواح, والأنفاس لأهل السرائر, وقالوا: (أفضل العبادات عدُّ الأنفاس مع الله سبحانه وتعالى) .
34- النَّفْسُ:
النفس في اللغة: الروح, ويقال: خرجت نفسه أي روحه, والجسد والعين كقولك: نفسته بنفس, أي أصبته بعين, والعِندُ كقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ، أي ما عندي وما عندك, أو حقيقتي وحقيقتك. وتعني أيضاً العظمة والعزة والعقوبة, ومنه قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} .
والنفس: هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية وسماها الحكيم الروح الحيوانية, فهي جوهرٌ مشرقٌ للبدن, وتعلقها بالبدن على ثلاثة أضرب: الأول: إن بلغ ضوء النفس إلى جميع أجزاء البدن, ظاهره وباطنه, فهو اليقظة, وإن انقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو نوم , أو بالكلية فهو الموت.
والنفس في الإصطلاح: ما كان معلوماً من أوصاف العبد, ومذموماً من أخلاقه وأفعاله, وأشدُّ أحكامها: توهمُ حُسنها أو استحقاقها لقدْر. وقيل حقيقة النفس الروح. وهي على ضروب عدة: نباتية, وحيوانية, وإنسانية, وناطقة, أو أمارة ولوامة وملهمة ومطمئنة وراضية ومرضية وقدسية أو كاملة .
والنفس الإنسانية هي كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يدرك الكليات والجزئيات ويتحرك بالإرادة ويفعل الأفعال الفكرية , والأمارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسّية وتجذب القلب إلى الجهة السفلية, فهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة والأفعال السيئة , مع عدم المبالاة بالأوامر والنواهي , واللوامة وهي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت به عن سِنَة الغفلة, مترددة بين جهتي الربوبية والخلقية, فكلما صدرت منها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية تداركها نور التنبيه الإلهي فأخذت تلوم نفسها وتستغفر راجعة إلي الله . والملهمة: لإعتبار ما يلهمها الله من الخير، فكل ما تفعله من الخير هو بالإلهام الإلهي , وكل ما تفعله من الشر هو بالاقتضاء الطبيعي. والمطمئنة: وهي التي تمّ تنورها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة, متابعةٌ القلب في الترقي ومواظبةٌ على الطاعات ، ساكنةٌ إلى الحق مطمئنة به .
جاء في النصائح الرحمانية: (جردتُ من نفسي شخصاً يسامرني، وشبحاً بوقائع الحالة الجارية يخاطبني). وجاء أيضاً: (كوني أنسب نفسي لآبائي في الطريق}. وجاء أيضاً: (إن استحوذت عليك النفس فجعلت القضية بالعكس فأنت غارق في بحر التيه) وجاء أيضاً:(تضرع بالصبر وجاهد النفس) (فر فرارك من الأسد من النفس) وما ورد في تحفة الإخلاص من عتاب النفس وقمع هواها لتخليصها من آفاتها وعيوبها يعد من أشمل ما نُظم في هذا الباب شعراً.
35- نقطة الأكوان:
النقطة لغةً: من نقط الحرف أي أعجمه (ميّزه), وتُجعل بين الكلام للفصل والوقف, وتفيد بمعنى الأمر والقضيّة, ونقطة الدائرة: مركزها.
والكون لغةً: الحدث, وكوّن: أحدث, وكوّن الله الأشياء: أوجدها, وكِنتُ الغزل: غزلته, والكون: عالم الوجود, والتكوين: إخراج المعدوم من العدم إلى الوجود .
والكون في اصطلاح القوم: اسم مجمل لجميع ما كونه المكون بين الكاف والنون , وكل أمر وجودي , وهو حصول الصورة في المادة بعد أن لم تكن حاصلة فيها . والأكوان في انتسابها إلى الوجوب والإمكان والجمع بينهما, فكل ما كان نسبته إلى الوجوب أقوى, كان أشرف وأعلى, وكانت حقيقته علوّية روحيّة أو ملكوتيه أو بسيطة فلكية , وكل ما كان إلى الإمكان أقوى كان أخسّ وأدنى وكانت حقيقته سفليّة عنصرية بسيطة أو مركبة, وكل ما كان نسبته إلى الجمع أشد, كانت حقيقته إنسانية, وكل إنسان كان إلى الإمكان أميل, وكانت أحكام الكثرة الإمكانية فيه أغلب, كان من الكفار, وكل من كان إلى الوجوب أميل, وأحكام الوجوب فيه أغلب, كان من السابقين من الأنبياء والأولياء, وكل من تساوى فيه الجهتان كان مقتصداً من المؤمنين, وبحسب اختلاف الميل إلى إحدى الجهتين اختلف المؤمنون في قوة الإيمان وضعفه .
ونقطة الأكوان هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوّله إلى آخره. قال ابن عباس: (أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سُرّة الأرض بمكة , ومن موضع الكعبة دُحيت الأرض فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم, هو أصل التكوين والكائنات تبع له) . وقال صاحب عوارف المعارف: (إنّ الماء - يعني في الطوفان - لمّا تموج رمى بالزبد إلى النواحي فوقعت جوهرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة, فكان صلى الله عليه وسلم مكياً مدنياً) . وورد عن كعب الأحبار قال: (لما أراد الله تعالى أن يخلق محمد صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها, قال فهبط جبريل في ملائكة الفردوس وملائكة الرفيع الأعلى, فقبض قبضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع القبر الشريف وهي بيضاء منيرة, فعجنت بماء التسنيم في معين أنهار الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي وفي السماوات والأرض والجبال والبحار, فعرفت الملائكة وجميع الخلق سيدنا محمداً وفضله قبل أن تعرف آدم عليهما السلام) .
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم عند أهل الحقيقة: الإنسان الكامل . وصورة الحق لتحققه صلى الله عليه وسلم بالحقيقة الأحدية والواحديّة . وهو عبد الله الذي تجلى له الحق بجميع أسمائه فلا يكون في عباده أرفع مقاماً وأعلى شأناً لتحققه بإسمه الأعظم واتصافه بجميع صفاته, ولهذا خصَّ الله نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الإسم في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} , فلم يكن هذا الإسم بالحقيقة إلا له وللأقطاب من ورثته بتبعيتة , والمُفيض لأنه المتحقق بأسماء الله, ومظهر إفاضته نور الهداية عليهم وواسطتها , ومُمِدّ الهمم, لأنه الواسطة في إضافة الحق والهداية على من يشاء من عباده, وإمدادهم بالنور والآيات . وعين الله وعين العالم لتحققه بحقيقة البرزخ الكبرى, وبالإسم البصير وتحققه بحقيقة حق اليقين صلى الله عليه وسلم , وظل الإله لتحققه بالحضرة الذاتية الواحديّة .
ومن أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم الواردة في أوراد السادة أهل الطريقة الخلوتية: سيّد الأكوان, أشرف الخلائق الإنسانية, مجمع الحقائق الإيمانية, طور التجليات الإحسانية, مهبط الأسرار الرحمانية, شاهد أسرار الأزل, مُشاهد أنوار السوابق الأُول, ترجمان لسان القِدم, منبع العلم والحلم والحكم, مظهر سرّ الجود الجزئي والكلي, إنسان عين الوجود العلوي والسفلي, روح جسد الكونين, عين حياة الدارين, المتحقق بأعلى رتب العبودية, المتخلق بأخلاق المقامات الإصطفائية, شجرة الأصل النورانية, لمعة القبضة الرحمانية, معدن الأسرار الربانية, خزائن العلوم الإصطفائية, صاحب القبضة الأصلية والبهجة السنية والرتبة العلية, مَنْ مِنْه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار, مَنْ فيه ارتقت الحقائق وتنزّلت علوم آدم فأعجز الخلائق, مَنْ له تضاءلت الفهوم فلم يدركه منّا سابقٌ ولا لاحق, مَنْ رياضُ الملكوت بزهر جماله مُونِقة, وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة, مَنْ لا شيءَ إلا وهو به منُوط, السرُّ الجامع الدال على الله , حجابُ الله الأعظمُ القائمُ له بين يديه, صاحب الذات المحمدية اللطيفة الأحديّة, شمس سماء الأسرار, مظهر الأنوار, مركز مدار الجلال وقطب فلك الجمال, بحر أنوار الله, معدن أسرار الله, لسان حجّة الله, عروس مملكة الله, إمام حضرة الله, طِراز مُلك الله, خزائن رحمة الله, طريق شريعة الله, المتلذذ بتوحيد الله, إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود, عينُ أعيان الخلق المتقدم من نور ضياء الله, الرؤوف الرحيم ذو الخلق العظيم, الفاتح لما أغلق, الخاتم لما سبق, الناصر الحق بالحق, الهادي إلى صراط الله المستقيم, النور الذاتي, السر الساري في سائر الأسماء والصفات, كريم الأباء والأمهات, طب القلوب ودواؤها, عافية الأبدان وشفاؤها, نور الأبصار وضياؤها, النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه, الطاهر المطهر, ذو المعجزات الباهرة والمناقب الفاخرة, ذو المقامات الجليلة, الصادق الأمين, رحمة الله للعالمين, باب الأبواب ولباب الألباب, زين الملاح ومعدن الجود والسماح, الذي بسره استقامت البرازخ, صاحب المدد الفياض, النور الساطع, الجامع لكل خير, ذو المقام الأعلى والسرّ الأجلى, سيد أهل العُلى, واسطة عقد النبيين, مُقدّم جيش المرسلين, قائد ركب الأنبياء المكرمين وأفضل الخلق أجمعين, الخليل الأعظم والحبيب الأكرم, من اندرجت النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه, وغيرها من الأسماء الشريفة. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين كلما ذكرهم الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون.
ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم الواردة في أوراد السادة أهل الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية: الدرة الشريفة, أول من برز للوجود من أنوار الله الذاتية, آخر خليفة لحضرة الله السبوحية, مظهر الله الذي تفجرت منه ينابيع الحقائق والحكم, السبب لكشف بصائر السائرين عن مخبئات القدم, الجوهرة المنطوية على كنوز الدقائق اللاهوتية, الدرة التي عجز عن إدراك عنصر معدنها العوالم الملكية والملكوتية، روح حياة كل موجود, كينونة مظهر جمال الله, صيرورة نفوذ أحكام علا الله, أول مكوّن من أنوار اللاهوت, آخر خليفة أُفيض إلى النوع الناسوت, أعظم مُظهر الأنباء, عين الأعيان, باب كل طالب ودليل كل محجوب, وغيرها من الأسماء الشريفة, اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله, عدد كمال الله وكما يليق بكماله. جاء في ورد الستار للشيخ يحي الباكوبي من أسمائه صلى الله عليه وسلم: عبد الله المصطفى ورسوله المجتبى وأمينه المقتدى وحبيبه المرتضى, شمس الضحى, بدر الدجى, نور الورى, صاحب قوسين أو أدنى, رسول الثقلين, ونبي الحرمين, وأمام القبلتين, وجدّ السبطين, وشفيع من في الدارين, وزين المشرقين والمغربين, وصاحب الجمعة والعيدين, الرسول المكّي المدني الهاشمي القرشي الأبطحي الكَروبي, الروح الروحاني, التقي النقي, الكوكب الدري, الشمس المضيء, القمر القمري, النور النوراني, البشير النذير السراج المنير صلى الله عليه وسلم.
جاء في حزب الهمزة:
وبنقطة الأكوان من دارت بها بعوالم الآثار بن لي غطاء
وجاء في القصائد الرحمانية:
ونقطة الكون من سر العما نزلت والحقُّ إن رمت وصف الذات فينا عرى
36- الهيبة:
الهيبة في اللغة: المخافة والتَّقيَّة كالمهابة , وهي ضد الأنس .
وفي اصطلاح القوم: هي أثر القبض في القلب الناشئ من الخوف من الله ومعرفة تقصير العبد في حقه تعالى, والأنس: البسط في القلب الناشئ من الرجاء . وقيل: هي أثر مشاهدة جلال الله في القلب , وقالوا إن الهيبة درجة العارفين والأنس درجة المريدين .
وجاء في حزب السيف (جُد لي بهيبة يستنير بها لبي)
37- الهوت واللاهوت والملكوت والجبروت والعظموت:
ترد صيغة فعلوت في اللغة للمبالغة, والهوت مبالغةٌ من هاء يهؤ هوءاً أي: العلو والإرتفاع والهمة والرأي الماضي, والهوتةُ: الأرض المنخفضة والجو بين السماء والأرض. واللاهوت في اللغة: الألوهة, وأصله (لاهٌ) بمعنى إله زيدت فيه الواو والتاء مبالغة,كما زيدت في رحموت ورغبوت ورهبوت, وعلم اللاهوت: هو علم يبحث عن العقائد المتعلقة بالله تعالى , وقيل هو لفظ سرياني . والملكوت في اللغة: الملك العظيم والعز والسلطان . والجبروت بمعنى: القدرة والسلطة والعظمة . والعظموت بمعنى الكِبْر والنخوة والزهو .
والهوت في إصطلاح أهل الحق: هي الهمة، وهي ثلاثة: همّة مُنية وهي تحرك القلب للمُنى، وهمه إرادة وهي أول صدق المريد، وهمة حقيقية التصور عن ملاحظة ذروة هذا الامر والجهل، والهمة: توجهُ القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره، وقال الإمام عبد الكريم الجيلي: (هي أعزُّ شيءٍ وضعه الله في الإنسان، وذلك أن الله تعالى لما خلق الأنوار أوقفها بين يديه فرأى كلاً منها مشتغلاً بنفسه ورأى الهمة مشتغلة بالله، فقال لها:"وعزتي وجلالي لأجعلنّك أرفع الأنوار ولا يحظى بكِ من خلقي إلا أشراف الأبرار"). وقال صلى الله عليه وسلم (من كانت همته الثريا فسينالها). وقال الإمام علي كرم الله وجهه (رُبَّ همّةٍ أحيت أمّة).
وهمه الإفاقة هي أول درجات الهمة، وهي الباعثة على طلب الباقي وترك الفاني، وهمة الألفة هي الدرجة الثانية، وهي التي تورث صاحبها الأنفة من طلب الأجر على العمل حتى يأنف قلبه أن يشتغل بتوقع ما وعده الله من الثواب على العمل، فلا يفرغ من التوجه إلى مشاهدة الحق، بل يعبد الله على الإحسان، ولا يفرغ من التوجه إلى الحق طلباً للقرب منه إلى طلب ما سواه، وهمة أرباب الهمم العالية هي الدرجة الثالثة وهي لا تتعلق إلا بالحق ولا تلتفت إلى غيره، فهي أعلى الهمم حيث لا ترضى بالأحوال والمقامات ولا بالوقوف مع الأسماء والصفات، ولا تقصد إلا عين الذات.
واللاهوت في اصطلاح أهل الحقيقة: هي الحياة السارية في الأشياء, والناسوت هو المحل القائم به, وذلك الروح . وقيل اللاهوت: الخالق , والناسوت: المخلوق. وربما يُطلق الأول على الروح والثاني على البدن, وربما يطلق الأول على العالم العلوي, والثاني على العالم السفلي, وعلى السبب والمسبب, وعلى الجن والإنس .
والملكوت: عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس . وقيل هو حقيقة المجرّدة اللطيفة غير المقيدة بقيودٍ كثيفة شجيّة جسمانية, ويقابله الملْكُ بمعنى المادة الكثيفة بالقيود . والملك عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية كالعرش والكرسي, وكل جسم يتميّز بتصرف الخيال المنفصل من مجموعة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة .
والجبروت: هو عالم العَظَمَة يعني عالم الأسماء والصفات الإلهية, وقيل: هو عالم الوسط وهو البرزخ المحيط بالأمريات الجمّة, وقي قيل: هو عبارة عن الذات القديمة، وتفرد الله سبحانه بالجبروت لأنه يجري الأمور مجاري أحكامه, ويجبر الخلق على مقتضيات إلزامه, أو لأنه يستعلي عن دَرَكِ العقول .
جاء في الدرة الشريفة: (كيف لا وهو الجوهرة المنطوية على كنوز الدقائق اللاهوتية). (وببديع قدرتك العظموتية). وجاء في حزب السيف (أن تجعل لي نوراً من أنوار لاهوتك , ومهابةً من سلطان جلال جبروتك). وجاء أيضاً (وافتح لنا باب خزنة أسرارك العظموتية، لنشاهد العجائب الملكية والملكوتية).
وجاء في حزب الهمزة:
بالهوت واللاهوت والملكوت والجبروت صفِّ السير من وعثائي
38- الوارد:
وهو في اللغة: الشجاع الجريء والطريق وكل طويل, وخلاف الصدور عن الماء , وفي اصطلاح القوم: هو كل ما يرد على القلب من المعاني الغيبية من غير تعمّد أو تعمّل من العبد , وقيل ما يرد من كل اسمٍ على القلب , ويستغرق القلب بعد أن يبدو على القلب حال من الحق , وقد يكون الوارد من الحق أو من العلم, كما يكون وارد سرورٍ أو حزنٍ أو قبضٍ أو بسط وغير ذلك من المعاني. والواردات أعمَّ من الخواطر . قال ذو النون رحمه الله:"واردُ حقّ، جاء يُزعج القلوب"أي جاء يحرّكها إلى الله تعالى بتأثير الوعظ والسماع والوجد .
جاء في كتاب (الأنوار القدسية في بيان قواعد الصوفية) للشيخ عبد الوهاب الشعراني قدس الله سره:"ومن شأن المريد أن يلازم ما أمره به شيخه, ولا يتقيد بأفعال شيخه كلّها, إلا إذا كان أمره بذلك, فإن مشاهدة الأشياخ لا يدركها المريد, فليحذر المريد من عدم خروجه لصلاة الجماعة أو مجلس الذكر, إذا لم يخرج الشيخ لذلك, فربما كان ذلك من الشيخ لثقل وارد ورد عليه, فمنعه من القدرة على الخروج والمشي, بخلاف المريد, فربما كان ذلك منه نفاقاً وكسلاً, ووالله إني لأتكلّف الخروج لصلاة الصبح حتى أخرج أجر رجلي جراً من ثقل واردات الليل, ولا اتخلّف خوفاً على أحد من الإخوان أن يقتدي بي في ذلك, فيهلك ولا يشعر بذلك".
قال الشيخ عبد الرحمن الشريف قدس الله سرّه في نصائحه الرحمانية: (فقم في محراب الأذكار, وتهيأ لقبول الواردات الأبكار).
39- وحدة الأسماء:
الاسم في اللغة: هو اللفظ الموضوع على الجوهر والعَرَضْ للتمييز , وقيل: هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة, وهو اسم عين يدل على معنى يقوم بذاته كزيد وعمرو, واسم معنى وهو ما لا يقوم بذاته سواء كان معناه وجودياً كالعلم أو عدمياً كالجهل .
والاسم عند أهل الحقيقة: ليس هو اللفظ بل هو ذات المسمّى باعتبار صفاته , وقيل ما يُعين المسمّى في الفهم , ويصوره في الخيال, ويحضره في الوهم, ويدبره في الفكر, ويحفظه في الذكر, ويوجده في العقل سواءً كان المسمّى موجوداً أو معدوماً, حاضراً أو غائباً, كذلك الحق سبحانه وتعالى لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق أسمائه وصفاته .
ووحدة الأسماء ما ركب الله في فطرة الإنسان من كل اسم من أسمائه من اللطائف وهيأه بها للتحقق بكل الأسماء الجلالية والجمالية, قال تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا}, ولكل مخلوق سوى الإنسان حظ من بعض الأسماء دون الكلّ, كحظ الملائكة من أسم السبّوح والقدُّوس, ولذا قالوا {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} , وحظ الشيطان من اسم الجبار والمتكبّر, ولذلك عصى واستكبر, واختصَّ الإنسان بالحظ من جميعها, ولذلك أطاع تارة وعصى أخرى . قال الشبلي رحمه الله:"أريد من قال الإسم وهو يتحقق ما يقول"، وقال أيضاً:"تاهت الخليقة في العلم, وتاه العلم في الإسم, وتاه الإسم في الذات" .
وإذا تجلت ذات الحق سبحانه وتعالى على عبده بصفةٍ من صفاتها، سبح العبد في فلك تلك الصفة إلى أن يبلغ حدّها بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل، واستوى على عرش تلك الصفة، فكان موصوفاً بها .
جاء في حزب الهمزة:
وبوحدة الأسماء الكثيرة خُصّنا بالجمع ثم بجمعه الأسماء
40- وحدة الأفعال:
الفعل في اللغة حركة الإنسان أو كنايةٌ عن كل عمل متعدّ , وقيل: هو الهيئة العارضة للمؤثر في غيره بسبب التأثير أولاً كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعاً, وقيل: هو كون الشيء مؤثراً في غيره كالقاطع ما دام قاطعاً , وفي اصطلاح النحاة ما دلَّ على معنىً في نفسه، مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة .
ووحدة الأفعال في اصطلاح أهل الحقيقة: هي أن يرى العبد جريان القدرة في الأشياء، ويَشَهدُه سبحانه وتعالى مُحرّكها ومسكّنها بنفي الفعل عن العبد وإثباته للحق , والعبد في هذا المشهد مسلوبُ الحول والقوة والإرادة .
41- وحدة الذات:
الوَحْدةُ التفرد في اللغة والتقدم في العلم أو البأس . وتأتي بمعنى ضد الكثرة ونظيراتها الأحديّة والواحديّة .
والذات لكل شيء في اللغة: ما يخصه ويميزه عن جميع ما عداه, وقيل ذات الشيء: نفسه وعينه, والفرق بين الذات والشخص أن الذات أعم من الشخص لأن الذات تطلق على الجسم وغيره, والشخص لا يطلق إلا على الجسم . والوحدة أو الأحديّة هي اعتبار الذات مع إسقاط جميع الصفات والأسماء والنسب والتعينات . والذات هو الأمر الذي تستند إليه الأسماء والصفات في عينها لا في وجودها, وذات الله سبحانه وتعالى نفسه التي هو بها موجود لأنه قائم بنفسه, وهي غيب الأحديّة .
ووحدة الذات: هي اعتبار الذات من حيث إنتشاء الأسماء منها , وواحدتيها بها مع تكثرها بالصفات . ولا يكون الإسم والنعت والصفة إلا لذي ذات, فالقادر اسم من أسماء الله تعالى, والقدرة صفة من صفاته, والتقدير نعتٌ من نعوته, قال الواسطي:"ليس مع الخلق منه إلا اسم أو نعت أو صفة, والخلق محجوبون بأسمائه عن نعوته, وبنعوته عن صفاته, وبصفاته عن ذاته" .
والذات هي: الوجود الحق المحض ووَحدتُه عينةُ، لأن ماسوى الوجود من حيث هو وجودٌ، ليس إلا العدم المطلق وهو اللاشيء المحض, فوحدة الذات هي عين ذاته لا بشرط أن يكون أو لا يكون شيء معه, وهي منشأ الأحديّة: وهو كونه بشرط أن لا يكون شيء معه. والواحدية: وهي كونه بشرط أن يكون معه شيء. والحقائق في الذات الأحديّة كالشجرة في النواة وهي غيب الغيوب .
جاء في حزب الهمزة:
وبوحدة الذات العليّ ووصفها وبوحدة الأفعال يا مولائي
42- الوصْل والوصال:
الوصل في اللغة: اللأم والجمع والربط, والإحسان والعطف والرفق. وليلة الوصل: أخر ليالي الشهر القمري , والوصال ضد الهجر . والوصلُ في الإصطلاح: معناه ادراك الفائت , ولحوق الغائب. قال يحي بن معاذ رحمه الله:"من لم يعمِ عينه عن النظر إلى ما تحت العرش, لم يصل إلى ما فوق العرش". يعني لم يلحق ما فاته من مراقبة الذي خلق العرش .
وقيل الوصل: هو الوحدة الحقيقية الواصلة بين البطون والظهور, قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما:"من عرف الفصل من الوصل, والحركة من السكون, فقد بلغ مبلغ القرار في التوحيد، ويُروى في المعرفة", والمراد بالفصل: فوت الشيء المرجوّ من المحبوب, وبالحركة السلوك, وبالسكون القرار في عين أحدية الذات, وقد يُعبّرُ بالوصل عن فناء العبد بأوصافه في أوصاف الحق, وهو التحقق بأسمائه تعالى المعبّر عنها بإحصاء الأسماء, كما قال عليه الصلاة والسلام:"من أحصاها دخل الجنة" , وقال الشبلي رحمه الله:"من زعم أنه واصل فليس له حاصل", وقال بعضهم:"إنما حرموا الوصول لتضييع الأصول" , وذُكر عن بعض الشيوخ أنه كان يقول:"من زعم أو ظن أنه قد وصل فليتيقن أنه قد انفصل", وقال آخر:"فرح اتصالك ممزوج بترح الانفصال" ، وقال سهل:"حُرِّكوا بالبلاء فتحركوا, ولو سكنوا اتصلوا" .
والوصال: مرادف الإتصال، وهو الإنقطاع عما سوى الحق, وليس المراد به اتصال الذات بالذات، لأن ذلك إنما يكون بين جسمين, وهذا التوهم في حقّه تعالى كفر, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم"الإتصال بالحق على قدر الإنفصال عن الخلق". وقال بعضهم:"من لم ينفصل لم يتّصل"، أي من لم ينفصل عن الكونين لم يتصل بمكوّن الكونين. وأدنى الوصال مشاهدة العبد ربه تعالى بعين القلب وإن كان من بعيد. والوصال هو الرؤية والمشاهدة بسرِّ القلب في الدنيا, وبعين الرؤوس في الآخرة. وإنما نراه في الآخرة بلا كيف, كما نعلمه ونعتقده في الدنيا بلا كيف . وقيل: إنّ معنى الإتصال أن ينفصل العبد بسرِّهِ عما سوى الله، فلا يرى بسرِّهِ معنى التعظيم غيره, ولا يسمع إلا منه, أي أن تعظيم الله يشغله عن تعظيم سواه, وأن لا يشهد العبدُ غيرَ خالقه, ولا يتصل بسرّه خاطرٌ لغير صانعه , وقيل: أن يرى العبد اتصال مدد الوجود ونَفَس الرحمن إليه على الدوام بلا انقطاع حتى يبقى موجوداً به, وقطع النظر عن تقيّد وجوده بعينه وإسقاط إضافته إليه .
ووصل الوصل هو الحصول على الوصل الحقيقي في الأبد, كما كان في الأزل, ويعني الرجوع إلى مقام الجمع بالسلوك إلى الله تعالى, وفي الله, بالاتصاف بصفاته, والفناء في ذاته .
جاء في ورد السحر:
(وأوصلني يا مولاي إلى من يوصلني إليك)، (اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك)، وجاء في المنبهجة:
وبطيب الوصل ولذته ببساط الأنس المنتسج
وجاء في النصائح الرحمانية:
(شراب الوصول صفا وراق)، (سار الفقراء لمولاهم ووقف الكلّ وأصابوا ووصلوا)، (والبعد بفصلك، والقرب بوصلك , فبوصلك كن متيقناً).
وجاء في القصائد الرحمانية:
وعج تغنم أويقات الوصال تكن فيه على أقصى المداني
وجاء في حزب الهمزة:
بالظل والستر المدار وصالهم بالإنزعاج بحال أهل عطاء
43- الوقت:
الوقت لغةً: المقدار من الدهر، وأكثر ما يستعمل في الماضي وتحديد الأوقات كالتوقيت.
ومن معاني هذا المصطلح عند أهل الحقيقة: هو ما بين النَفَس الماضي والنَفَس المستقبل, ولذلك قال الجنيد رحمه الله:"الوقت عزيز إذا فات لا يُدرك"، يعني إذا فاتك بالغفلة عن ذكر الله فلا تلحقه أبداً.
ومن معانيه أنه ما كان هو الغالب على الإنسان, ويقولون:"الصوفي ابن وقته"، أي أنه مشتغلٌ بما أولى به في الحال, وقد يريدون بالوقت ما يصادفهم من تصريف الحق لهم، دون ما يختارون لأنفسهم, وهذا فيما ليس لله عليهم فيه أمرٌ بحق الشرع, فإن ترك المبالاة في التقصير فيه خروج عن الدين. والكيّس من كان يحكم وقته.
ومن معانيه ما يرد على العبد ويتصرّف فيه ويُمضيه بحكمه من خوفٍ أوحزنٍ أوفرح, ولذلك قيل: الوقت سيف قاطع , لأنه يقطع الأمر بحكمه .
ومجموع القول أن الوقت هو ما غلب على الحال, وعلى ما كان من عمارة الزمان, وعلى ما يصرف الله العبد فيه من المقدورات بغير اختيار, وأن على الصوفي أن لا يُقلق باله بالماضي والمستقبل فإن تدارك الماضي تضييع للوقت, وكذا الفكر فيما يستقبل فإنه قد لا يُبلغ فيفوت, وأن الوقت سيف لأنه يقطع عمر العبد, فإن لم يقطعه بخير انقطع عمره بغفلة.
قال العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشريف قدس الله سره في النصائح الرحمانية: (ضيعت أوقاتك والعمر انقضى, فعجّل بالإقبال واندم على ما مضى), وقال أيضاً: (فالعمر يذهب والأوقات تنهى).
وقال في القصائد الرحمانية:
صفا وقتي وقد نلت المعالي ونلت السعد من مولى الموالي
وقال رضي الله عنه في لوم النفس في تحفة الإخلاص:
ضيعتِ أوقاتك في اللهو واشتهرت أفعالك السوء في الأقطار كالعلمِ
1- الأبدال: ثلاثون رجلا ًمن الأولياء على قلب إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام, كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً, وقيل أربعون, وقيل سبعة يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، ومسكن الأبدال الشام.
2- الآثار: علامات لباقي شيء قد زال، ومن منع من النظر إستأنس بالأثر، ومن عُدم الأثر تعلّل بالذكر. وتوحيد الخاصة التفريد لله عز وجل في كل الأشياء, بالإعراض عما يلحق نفوسهم من آثار الأشياء.
3- الإثبات: إقامة أحكام العبادات على العبد.
4- الأغيار: عالم الكون بنوعية اللطيف والكثيف.
5- الأفراد: الرجال الخارجون عن نظر القطب.
6- الأفول: غياب الشيء عن النظر رغم وجوده، وهو مقام الصلة بالله مع ظن الناس بانقطاعها.
7- الإمامان: (الوزيران) وهما وزيران للقطب الذي هو مرتبة أخرى، ونائب الإمام يعرف أن الإمام غيره وأنه نائب عنه, وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات.
8- ألف الإحاطة: أول حروف اسم الله, ويشير بانفراده وعدم تعلق الحروف الآخرى به: إلى الأحديّة المحضة التى أندحض فيها الأسماء والصفات والأفعال والتأثيرات والمخلوقات.
9- الإنزعاج: تحرك القلب إلى الله تعالى باليقظة من سِنةِ الغفلة بتأثير الوعظ والسماع فيه, أو تحركه للوجد والأنس.
10- الأنس: أثر البسط في القلب الناشيء من الرجاء وهو درجة المريدين.
11- الأوتاد: الرجال الأربعة الأولياء الذين منازلهم على منازل الجهات الأربعة من العالم, بهم يحفظ الله تعالى تلك الجهات لكونهم محل نظره تعالى.
12- البعد: التدنس بمخالفة الله سبحانه والتجافي عن طاعته والإقامة على ذلك.
13- البقاء: رؤية العبد قيام الله على كل شيء وسبيل ذلك هو طريق الشيخ المرشد.
14- البداوة : ما يفاجيء القلب من الغيب فيوجب بسطاً أو قبضاً.
15- التجريد: خلو قلب العبد وسرّه عما سوى الله, وذلك بأن يتجرد بظاهره عن الأعراض, و بباطنه من الأعواض, و هو ألا يأخذ من عرض الدنيا شيئاً, ولا يطلب على ما ترك منها عوضاً من عاجل ولا آجل, بل يفعل ذلك لوجوب حق الله تعالى لا لعلة غيره, ولا لسبب سواه, ويتجرد بسرّه عن ملاحظة المقامات التي يخلّها والأحوال التي ينازلها, بمعنى السكون اليها والاعتناق لها.
16- التجلّي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب وإقبال الحق على قلوب المقبلين عليه, ولا يتسلط عليه تعبير أو يحويه فهم, والتجلي بالنسبة للحق شأن آلهي وبالنسبة للعبد حال.
17- التفريد: أن يتفرد عن الأشكال, وينفرد في الأحوال, ويتوحّد في الأفعال, وهو أن تكون أفعاله لله وحده فلا يكون فيها رؤية نفس ولا مراعاة خلق ولا مطالعة عوض, ويتفرد في الأحوال عن الأحوال فلا يرى لنفسه حالاً, بل يغيب برؤية محولها عنها, ويتفرد عن الأشكال فلا يأنس بها ولا يستوحش منها.
18- التلوين: تنقّل العبد في أحواله وهو للمبتدئين وقد يكون من حال سنيّ إلى دنيّ فيكون تدنياً أوخلاف ذلك فيكون ترقياً وتمكيناً.
19- التمكين: مقام الرسوخ والإستقرار على الإستقامة وهو للمحققين.
20- التواجد: إستجلاب الوجد بالذكر والتفكر, لذا يتضمن التكلّف والتصنّع, وهو بداية الوجد.
21- توارد الإمداد: تتابع وصول كل ما يحتاج إليه الممكن في وجوده على الولاء حتى يبقى.
22- الجبروت و العظموت: عالم العظمة يعني عالم الأسماء والصفات الإلهية, وقيل هو عبارة عن الذات القديمة, وعند الأكثر عالم الأوسط وهو البرزخ المحيط بالامريات الجمّة.
23- الجذب: تقريب العبد بمقتضى العناية الإلهية المهيئة له كل ما يحتاج إليه في طيّ المنازل إلى حضرة الحق بلا كلفة وسعي منه.
24- الجمع: شهود الحق بلا خلق, وهو تجريد التوحيد وإذا تحقق بالفناء قيل هو جمع الجمع, ومن لا جمع له لا معرفة له.
25- الحال: ما يرد على القلب من غير تصنع ولا إجتلاب ولا إكتساب من طرب أو حزن أو بسط أو قبض وتسمى الحال بالوارد أيضاً, ويزول بظهور صفات النفس.
26- حضرة القدس: مكان الدنو والتدلي.
27- الحضور: حضور القلب بالحق بصفاء اليقين وإن كان غائباً عنه.
28- حق اليقين: هو معرفة الله تعالى بالمشاهدة والمعاينة, وهو للأنبياء عليهم السلام.
29- الحقيقة: سلب أثر أوصاف العبد عنه بأوصاف الله بأنه هو الفاعل في العبد والحق هو الذات والحقيقة هي الصفات.
30- الحلول: أن يحل في القلوب الإيمان بالله والتصديق له والتوحيد والمعرفة.
31- الخمول: نقيض طلب انتشار الصيت والإشتهار وهو مذموم إلا من شهره الله تعالى لنشر دينه من غير تكلف طلب الشهرة منه.
32- الخواطر: ما يرد على القلب والضمير من الخطاب مع سرعة زواله بخاطر آخر وقدرة صاحب الخاطر على دفعه عن القلب مراراً, وهو إما واجب (الحق) أو حرام (من الشيطان) أو مندوب (من ملك) أو مكروه (من النفس), وزادوا على الخواطر الأربعة خاطر العقل, واليقين, والقلب، والشيخ, وخاطر الشيخ هو إمداد همة من الشيخ يصل إلى قلب المريد الطالب لكشف مفصل وحل مشكل باستمداد المريد ذلك من ضمير الشيخ.
33- الدنيا: هي ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهي حظوظ النفس وما تلذذ به.
34- الروح : معنى يحي به الجسد, وهي شيء موجود استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه.
35- الرؤية: هي المشاهدة بالبصر لا بالبصيرة حيث كان، أي في الدنيا والآخرة, وقيل لا يُرى الله في الدنيا بالأبصار إلا من جهة الإيقان.
36- الرّين: الحجاب الكثيف الحائل بين القلب والإيمان بالحق.
37- الزاجرات: واعظ الله في قلب المؤمن وهو النور المقذوف فيه الداعي له إلى الحق.
38- السالك: هو السائر إلى الله والماشي على المقامات بحالهِ لا بعلمه وتصوره, وهو المتوسط بين المريد والمنتهي ما دام في السير.
39- السّبوحيّة: من صفات الحق لأنه يُسبَّح.
40- السترّ: كل ما سترك عما يعنيك مثل الوقوف مع العادات أو نتائج الأعمال.
41- السرّ: لطيفة مودعة في القلب كالروح في البدن، وهو محل المشاهدة كما أن الروح محل المحبة، والقلب محل المعرفة, والسر ما خفي عن الخلق فلا يعلم به إلا الحق, وسر السر ما انفرد به الحق عن العبد كالعلم بتفاصيل الحقائق.
42- السرمديّة: صفة الله تعالى, والسرمدي ما لا أول له ولا آخر, والأزلي ما لا أول له, والأبدي ما لا أخر له.
43- السكر: غيبة بواردٍ قويٍ مفرحٍ وهو أقوى من الغيبة وأتم منها.
44- السير: وهو نوعان سير إلى الله ونهايته المعرفة, وسير في الله بلا إنتهاء.
45- الشاهد: ما يحضر القلب من أثر المشاهدة إما بعلمٍ لدني، أو وجْدٍ أو حالٍ أو تجلي أو شهود.
46- الشريعة: أمر بالتزام العبوديّة.
47- الصحو: رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة بوارد قوي, والفرق بينه وبين الحضور أن الصحو حادث والحضور على الدوام, وهو أقوى وأتم وأقهر من الحضور.
48- الطريقة: هي السيرة المختصة بالسالكين للوصول إلى الله تعالى، من قطع المنازل والترقي في المقامات مشتملة على الأعمال والرياضيات والعقائد المخصوصة بها وعلى أحكام الشريعة من الأعمال الصالحة البدنيّة, والإنتهاء عن المحارم والمكاره العامة, وعلى أحكام خاصة من الأعمال القلبية والإنتهاء عما سوى الله تعالى, فهي أخص من الشريعة لإشتمالها عليها.
49- الطمس: ذهاب سائر الصفات البشرية في صفات أنوار الربوبية، فتفنى صفات العبد في صفات الحق تعالى.
50- الطوالع: أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة فتطمس سائر الأنوار وهي أول ما يبدو من تجليات الأسماء الإلهية على باطن العبد فيحسن أخلاقه وصفاته بتنوير باطنه.
51- الظل: وجود الراحة خلف حجاب الضياء, والظل الأول هو العقل الأول، وظل الإله هو الإنسان الكامل المتحقق بالحضرة الأحديّة.
52- علم اليقين: العلم بالتوحيد والأحكام الشرعيّة من أصول الفقه وفروعه عن طريق الكتاب والسنة والإجماع, وقيل: ما كان بشرط البرهان وهو للأولياء.
53- العماء: حقيقة الحقائق وهي ذات محض لا تتصف بالحقيّة ولا بالخلقية, وهو يقابل الحضرة الأحديّة التي تضمحل فيها الأسماء والصفات ولا يكون لشيء فيه ظهور, والفرق بين العماء والأحديّة, أن الأحديّة حكم الذات في الذات بمقتضى التعالي وهو الظهور الذاتي, والعماء حكم الذات بمقتضى الإطلاق, فلا يفهم منه تعالٍ ولا تدانٍ, وهو البطون الذاتي العمائي. سئل صلى الله عليه وسلم: (أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق, فقال: في عماء). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن العماء ما فوقه هواء وما تحته هواء) يعني لا حقّ ولا خلق.
54- العوالم الروحيّة والروحانية: عالم الأرواح والروحانيات والتي وجدت بأمر الحق بلا واسطة مادة ومُدّةٍ, ويقال عالم العقول والنفوس.
55- عين اليقين: ما يحصل عن طريق الكشف والنوال وهو لخواص الأولياء.
56 – الغوث: هو القطب حينما يلتجأ إليه, ولا يسمى في غير ذلك الوقت غوثاً, وهو واحد الزمان بعينه, ويسمى بقطب العالم, وقطب الأقطاب, والقطب الكبير, وقطب الإرشاد, وقطب المدار، وهو على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
57- الغيبة: غيبة القلب عن مشاهدة أحوال الخلق وحظوظ نفسه ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر للعبد.
58- الغين: حجاب يقع على القلوب ويرتفع بالإستغفار، وهو إما غليظ لأهل الغفلة والكبائر أو خفيف لكل الخلق من خواص عباد الله من نبي وولي.
59- الفرق: (التفرقة) شهود الخلق بل حق, وهو العبوديّة. ومن لا تفرقة له لا عبودية له.
60- الفصل: فوت الشيء المرجو من المحبوب.
61- الفناء: عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من حظوظها، وأن الحق يتولى تصريفه في وظائفه وموافقاته سبحانه.
62- الفيض: ما يفيده التجلّي الإلهي، ويتعين ذلك ويتقيد بحسب المتجلّي.
63- القرب: القيام بالطاعة والإنقطاع عما دون الله.
64- القطب: الرجل الواحد الذي هو موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان وهو على قلب إسرافيل عليه السلام من حيث حِصّته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس, لا من حيث إنسانيته، وزنُـه يتبع علمه وعلمه يتبع علم الحق.
65- القطبية الكبرى: هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, فلا يكون إلا لورثتهِ، لإختصاصه عليه الصلاة والسلام بالأكملية, فلا يكون خاتم الولاية وقطب الأقطاب إلا على باطن خاتم النبوة.
66- القهرموتيه: أن يَرُدَّ الحق تعالى العبد عن مراد نفسه إلى مراده سبحانه, ويقهره بغير مراد العبد, ويميت نفسه عن هواها بقمعه.
67- اللاهوت: الحياة السارية في الأشياء وذلك الروح, وقيل: اللاهوت الخالق.
68- اللوائح: ما يلوح من الأسرار الظاهرة من السمو من حال إلى حال.
69- اللوامع: أنوار ساطعة تلمع لأهل البدايات فتنعكس من الخيال إلى الحس فتصير مشاهدتها بالحواس الظاهرة فترى لها أنوار كأنوار الشهب والقمر والشمس فتضيء ما حولها. وهي أظهر من اللوائح.
70- المحاضرة: حضور القلب مع الحق وعلامتها دوام الفكر والذكر.
71- المحو: رفع أوصاف العادة بحيث لا يبقى لها أثر، يغيب العبد عندها عن عقله، ويحصل منه أفعال وأقوال لا دخل لعقله فيها, وإذا بقي لأوصاف العادة أثر كان طمساً.
72- المكاشفة: حضور القلب بنعت البيان فيكشف له ما يستتر على الفهم كأنه رأي العين وعلامتها دوام التحير في كنه العظمة.
73- المشاهدة: رؤية الأشياء بدلائل التوحيد، ورؤية الحق ببصر القلب، من غير شبهة ولا ارتياب كأنه رآه بالعين.
74- المقام: ما يقوم به العبد بين يدي الله عز وجل بالمجاهدات والرياضات والعبادات, ولا يرتقي منه إلى غيره ما لم يستوفِ أحكام المقام السابق.
75- الملك و الملكوت: الملك عالم الشهادة والأجسام والأعراض, والملكوت عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس, وقيل الصفات القديمة.
76- المهّيمون: الملائكة المهيمة في شهود جمال الحق الذين لم يعلموا أن الله خلق آدم, لشدة إشتغالهم بمشاهدة الحق وهيمانهم, وهم العالون الذين لم يكلّفوا بالسجود لغيبتهم عما سوى الحق, وولههم بنور الجمال, فلا يعون شيئاً مما سواه, وهم الكرّوبيّون.
77- الناسوت: هو المحل القائم به الروح وذلك البدن, وقيل: الناسوت المخلوق.
78- الناسوتية: عالم الشهادة أي الدنيا, وكل ما يوجد بأمر الحق بمادة ومدّة.
79- النجباء: سبعون وقيل أربعون وقيل ثمانية من الأولياء قائمون بإصلاح أحوال الناس وحمل أثقالهم، وذلك لإختصاصهم بوفور الشفقة والرحمة الفطرية, فلا يتصرفون إلا في حقوق الخلق لا غير, أما حظوظهم أنفسهم فلا مزية لهم فيها ومسكنهم مصر.
80- النّفَس: روح يسلطه الله على نار القلب ليطفىء شرورها.
81- النّفْس: ما كان معلوماً من أوصاف العبد, وقيل: حقيقة النفس الروح, وهي على ضروب عدة.
82- النقباء: ثلثمائة من الأولياء تحققوا بالإسم الباطن فأشرفوا على بواطن الناس فإستخرجوا خفايا الضمائر, وقيل هم إثنا عشر نقيباً على عدد بروج الفلك الإثنى عشر ومسكنهم المغرب.
83-نقطة الأكوان: هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره.
84-النواب: نواب القطب وهم الذين يعرفون القطب والإمامين والأوتاد.
85- النورانية: عالم النور وهو عالم تجلّي الله, أي وجوده الظاهر في صورة الأكوان كلها.
86- الهباء: المادة وقيل: الهواء التي فتح الله فيها صورة العالم وقد سموها أيضاً بالعنقاء لأنه يسمح بذكره ويعقل ولا وجود له في عينه, ويدعوها الحكماء بالهيولى, ويدعوها الصوفيّة الأعيان الثابتة وهي كل باطن يظهر فيه صورة.
87- الهجوم: ما يرد على القلب بقوة وقت التجلّي من غير تصنّع، ويختلف حسب قوة الوارد وضعفه.
88- الهوت: الهمّه بدوام الاشتغال بالله تعالى وحده ولا يحظى بها إلا أشراف الأبرار، وهي على ضروب عدّة.
89- الهو: الغيب الذي لا يصح الشهود وهو أبطن البطون, والهُويّة الحقيقة في عالم الغيب، وهُويّة الحق عينه الذي لا يمكن ظهوره, فكأنها إشارة إلى باطن الواحديّة.
90- الهيبة: أثر القبض في القلب الناشيء من الخوف من الله، ومعرفة تقصير العبد في حقه تعالى، وهو درجة العارفين.
91- الوارد: ما يرد على القلب من المعاني الغيبيّة والخواطر المحمودة من غير تعمّد من العبد, والبوادي بدايات الواردات.
92- الوجد: ما يصادف القلب ويرد عليه بلا تكلّف وتصنّع من فزعٍ أو غمٍ أو رؤية معنى من أحوال الآخرة أو كشف حالة بين العبد وربه, وهو رفع الحجاب عن القلب إلى مشاهدة الحق وملاحظة الغيب, وهو الواسطة بين التواجد والوجود.
93- الوجود: وجدان الحق في الوجود بعد خمود أوصاف البشرية، وهو كفاية الوجد.
94- وحدة الأسماء: ما ركّب الله في فطرة الإنسان من كل إسم من أسمائه من اللطائف وهيأه بها للتحقق بكل الأسماء الجلالية الجمالية.
95- وحدة الأفعال: أن يرى العبد جريان القدرة في الأشياء بنفي الفعل عن العبد وإثباته للحق.
96- وحدة الذات: اعتبار الذات من حيث إنتشاء الأسماء منها، وواحديتها وتكثرها بالصفات.
97- الوصال: الإنقطاع عما سوى الحق, وأدنى الوصال مشاهدة العبد ربه تعالى بعين القلب, فإذا رفع الحجاب عن قلب السالك وتجلّى له يقال أن السالك الآن واصل.
98- الوصل: أدراك الفائت ولحوق الغائب وهو أول الفتوح.
99- الوقت: ما غلب على الحال بغير إختيار من العبد وعمارة الزمان, ولا تعلق له بالماضي والمستقبل.
100- الولي: من تولى الحق أمره فلا يكله إلى نفسه لحظة, حفظه من العصيان, ولم يخْلِه ونفسه بالخذلان حتى يبلغه في الكمال مبلغ الرجال, قال الله تعالى: {وهو يتولى الصالحين}. والولي: العارف بالله وصفاته, بحسب ما يمكن، المواظب على الطاعات, المجتنب عن المعاصي, المعرض عن الإنهماك في اللذات والشهوات. المفرّغ نفسه لله، والمقبل بوجهه على الله، ويكون مستور الحال أبداً والكون كله ناطق على ولايته. وبالجملة الولي الذي َبعُدَ عن الدنيا وقرب إلى المولى، قال ذو النون: (لا تجالسوا أهل الولاية والصفاء إلا على الطهارة والنقاء فإنهم جواسيس القلوب).
تم بحمد الله تعالى وتوفيقه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق