أحوال الصوفي
قال الشيخ سيدي زروق في بعض شروحه (رضى الله عنه):
ولما كان علم التصوف إنما هونتائج الأعمال الصحيحة وثمرات الأحوال الصافية.
ولما كان علم التصوف إنما هونتائج الأعمال الصحيحة وثمرات الأحوال الصافية.
من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، بدءا بالكلام على العمل فقال: من علامة الإعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل. إذ أن الإيمان ما وفقر في القلب ونطق به اللسان وصدقه العمل. واصلاح الجوارح بثلاثة أمور: التوبة والتقوى والإستقامة. وإصلاح القلوب بثلاثة أمور: الإخلاص والصدق والطمأنينة. وإصلاح السرائر بثلاثة أمور: المراقبة والمشاهدة والمعرفة.
أو تقول إصلاح الظواهر بإجتناب النواهي وامتثال الأوامر وإصلاح الضمائر بالتخلي من الرذائل والتحلي بأنواع الفضائل، والسرائر هنا الأرواح بذلُّها وانكسارها حتى تتهذب وترتاض بالأدب وحسن الخلق والتواضع.
ولا بد للمريد الراغب للسلوك إتباع الشريعة قولا وفعلا ثم ينتقل إلى الحقيقة عن طريق العارف بالله وما نراه اليوم من حال الناس حين إلى التصوف بالقول لا بالفعل وبزي الظاهر لا بزي الباطن بل يجتهدون في إعمار الظاهر سواءا كان لباسا أو حلاوة اللسان بالكلام وهو ألد الخصام ولا عجب من أهل هذا الزمان إن كان ذلك المبتدع منسوب لشيخ كإبن، ومن نسب نفسه لشيخا بطريق أو بآخر ظان أن انتسابه لذلك الشيخ ستغني عنه شيئا هيهات هيهات...
ليس التصوف لبس صوف ترقعه ولا بكاؤك إن تغنى المغنونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر وتتبع الحق والقرآن والدينا
وإن ترى خاشعا لله مكتئبا على ذنبك طول الدهر محزونا
ونجد في كتاب الله ما يصدق ذلك القول في قوله تعالى ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾.
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ﴾.
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ﴾.
فلا بد لك أيها المريد أن تركن ويكون منهجك الشريعة المطهرة وأن تكون أعمالك موافقة للشريعة الغراء نصاً واستنباطاً، فإن الشريعة هي الحد القاطع والسيف اللامع لعصمتها، وفي هذا يقول المصطفى (ص) ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ). وفي حديث المصطفى (ص) ( تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي ).
يقول سيدي إبراهيم الدسوقي (رضى): من أحب أن يكون صادقا في إرادته وجميع أعماله وأقواله فليحبس نفسه في قمقم الشريعة المطهرة وليختم عليه بخاتم الحقيقة وليقتل نفسه بسيف المجاهدة وتجرع المرارات.
قال الإمام عبد الكريم القشيري رحمه الله تعالى: اعلموا رحمكم الله إن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعدهم على أصول صحية في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل وعرفوا ما هو حق القدم وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم.
ولذلك قال سيد هذه الطائفة سيدي الجنيد (رضى): التوحيد هو إفراد القدم من الحدث. واحكموا أصول العقائد بوضع الدلائل ورائع الشواهد، كما قال أبو محمد الجريري رحمه الله: من لم يقف على علم التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدمه الغرور في مهواة من التلف، يريد بذلك أن من الركن أو التقليد ولم يتأمل دلائل التوحيد سقط عن سنن النجاة ووقع في أسر الهلاك.
ومن تأمل ألفاظهم وتصفح كلامهم وجد في مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها ما يثق بتأمله بأن القدم لم يقصر، وفي التحقيق والمعرفة والغوص في المعاشر الدقيقة وتمام المعرفة.
ومن أقوالهم: حظ النفس في المعصية ظاهر جلي وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما يخفى صعب علاجه وقالو أيضا تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال وقالوا أيضا رضي الله عنهم أجمعين لايخرج الشهوة من القلب إلاخوف مزعج أو شوف مقلق فمداوات الأمراض الظاهرة التزام التوبة والتقوى والإستقامة فإن صعب عليه فاليلزم حمية الشيخ العارف بالله ومداومة الجلوس بين يديه أو تكرارالمعن إليه فإن النظر إليه ترياق فإن صحبه ولم يشف من مرض فاليعلم أن صدقه قليل فإن الشيخ إذا كان له نور يمشي به في الناس جامعا بين سلوك وجذب لايمكن أن يصحبه العليل بالصدق ولم يشفى من ساعته.
وقال بعض الصالحين طريقتنا كالسكين وهذا تشبيه لقطعه كل ماهو خارج عن الشريعة والطريقة والحقيقة فعلى المريد الإقبال على الشيخ بكليته وحسن صحبته ويترك حظوظ النفس وإتباع الهوى والرضى عليه وأنشدوا:
تذلل لمن تهو فليس الهوى سهل إذا رضى المحبوب صح لك الوصل
تذلل له تحظى برؤيا جماله ففي وجه من تهوى الفرائض والنفل
ثم إن الإقامة على دوام الأوراد وهي خدمة الجوارح والإنتقال منهاإلى عمد القلوب من شأن أهل المحبة والمعرفة. قال بعضهم:
قوم أقامهم الحق لخدمته وقوم اختصهم بمحبته، ﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾.
قال صاحب الحكم: العباد المخصصون بالعناية على قسمين قسم وجههم الحق لخدمته وأقامهم قيمها وهم أنواع فمنهم من انقطع في الفيافي والقفار لقيام الليل وصيام النهار، وهم العباد والزهاد، ومنهم من وجهه الحق لإقامة الدين وحفظ لشرائع المسلمين، وهم العلماء والصلحاء، ومنهم من أقامه الحق لنصرة الدين وإعلاء كلماته وهم المجاهدون في سبيل رب العالمين، ومنهم من أقامه الحق لتمهيدالبلاد وتسكين العباد، وهم الأمراء والسلاطين.
قال صاحب الحكم: العباد المخصصون بالعناية على قسمين قسم وجههم الحق لخدمته وأقامهم قيمها وهم أنواع فمنهم من انقطع في الفيافي والقفار لقيام الليل وصيام النهار، وهم العباد والزهاد، ومنهم من وجهه الحق لإقامة الدين وحفظ لشرائع المسلمين، وهم العلماء والصلحاء، ومنهم من أقامه الحق لنصرة الدين وإعلاء كلماته وهم المجاهدون في سبيل رب العالمين، ومنهم من أقامه الحق لتمهيدالبلاد وتسكين العباد، وهم الأمراء والسلاطين.
قال سيدي إبراهيم بن أدهم لرجل في الطواف يعظه: اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولها تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والخامسة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والسادسة تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.
ومثل هذه الموعظة تجدها كثيرة في كتب القوم وكلها لها أصل من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وخير التابعين.
وشرحاً لما تقدم من كلام سيدي ابراهيم بن أدهم (رضى) في أول نصائحه للفقير، نصحه بإغلاق باب النعمة وفتح باب الشدة فنقول: الدنيا وضعها ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ وفي موضع آخر وصف الدنيا بأنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وطول الأمل يعني التكاثر، ووصفها ربنا تبارك وتعالى كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما.
فيشير الشيخ للمريد بأن يسد باب النعمة ويفتح باب الشدة فالدنيا ليست بنعمة وإنما النعمة هي العمل الصالح في الحياة، وفي الحديث ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) والشدة المقصودة هي مكابدة الليل بالعبادة والنهار بالمراقبة فتورث الصبر والتحمل، وإن شئت قلت إنما بصبرهم على البلايا واردات العطايا، وإن شئت قلت إنما يقويهم على حمل أقداره شهود حسن اختياره.
ولعلمهم أنه ما نزل قدر إلا سبقه لطف وحكمة فلذلك صبروا على الشدة حتى مقام حمل الأسرار ولعلمهم بوجود علمه ولطفه ونصره وعونه.
وأما باب الذل بعد العز فعلموا أن ليس في الدنيا عز إنما العز عز الدين والآخرة وتحققوا بقول الله تعالى ﴿ فإن العزة لله جميعا ﴾، فلا يطلبوا عزة الدنيا بل يطلبوا عزة الدين، وفي هذا أرشدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضى) في قوله: لئن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله (أي الدين) وتمام قوله كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله.
وحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يرشدنا إلى حقيقة عظمة العزة هي عزة الدين والعمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص)
فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله وكان من الخاسرين.
فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله وكان من الخاسرين.
ويرشدنا سيدي إبراهيم بن أدهم (رضى) في نصحه للفقير أن يسد باب الراحة ويفتح باب الجهد فنقول أي راحة هذه ينشدها الإنسان، راحة البدن أم راحة البال، ففي كل يسأل الله الإنسان، فحياة المسلم كلها جد واجتهاد في بدنه وروحه، وأوامر الإسلام بالنسبة لعمل البدن فهي أعمال فيها صحة ورياضة لهذا البدن الذي خلقه الله ويعلم مولانا ما له وما عليه فكلفه بأعمال بدنية كالصلاة والصيام والحج تزكية لهذا البدن وعافية له وخير، وهناك الإجتهاد الباطني وهنا يرشدنا الشيخ إلى الإجتهاد.
قال سيدي أبو علي الدقاق (رضى): من زين ظاهره بالمجاهدة زين الله باطنه بالمشاهدة ومن لم يجاهد نفسه في بدايته لا يشم من الطريق رائحة، لأن من خصائص طريق أهل الله تعالى أن العبد إذا لم يعطي الطريق كله لا تعطه الطريق بعضها.
وفي هذا المعنى يقول سيدي أبوعثمان المغربي (رضى الله عنه):
من ظن أنه يفتح عليه بشيء من هذه الطريق بغير مجاهدة فقد رام المحال.
من ظن أنه يفتح عليه بشيء من هذه الطريق بغير مجاهدة فقد رام المحال.
ويقول أيضا أسيادنا من لم يكن له في بدايته قومة لم يكن له في نهايته جلسة.
جزى الله خيرا أسيادنا هم يريدوا بهذه المعاني التحمل بأن يغلقوا باب الراحة ويفتحوا باب الشدة والمجاهدة أخف عليهم من احتمال الغفلة عن الله لأن الغفلة أكبر داء. ولأن الغفلة فيها ضرر وتبعد المريد عن الله وعن الدين.
بيت الولاية قسمت أركانه ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائما والجوع والسهر النـزيه الغالِ
ويرشدنا الشيخ إلى سد باب الغنى وفتح باب الفقر فحب الدنيا رأس كل خطيئة والزهد هو الصواب لمن عرفها وابتعد عنها وغرورها.
يقول الإمام علي (رضى الله عنه):
فعش قانعا إن القناعة للفتى
غنى وهذا مقتضى ما أشيره
وإن الغنى غنى النفس والمريد الصادق غني بالله تعالى فهو تعالى غني عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه. ومن دعاء المصطفى (ص): ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ).
يقول سيدي محي الدين بن العربي (رضى): الناس تقضى حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها، ونحن تقضى حوائجنا بالزهد فيها والاشتغال بالله عنها.
وأهل الصفة تخلقوا من أخلاق الرسول الأعظم (ص)، فهو (ص) أكمل الناس زهداً وورعا وخوفاً ورجاءً وجداً وتوكلاً ورضاءً وتسليماً ومحبة ورحمة وشفقة وحلم وكرما وشجاعة وكمال المعرفة، وقد نزل في حقهم قوله تعالى :
﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾.
﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾.
يقول سيدي ابن عجيبة (رضى) في وصف أهل الصفة أنهم تركوا الدنيا لأهلها وانقطعوا إلى الله بالكلية وقد فهموا ذلك من مطلوبات الشرع ومقتضياته إذ قد سمعوا كلام ربهم وأحاديث نبيهم (ص) في ذم الدنيا والإشتغال بها ومدح التفرغ للعبادة والإجتهاد فيها وما أعد الله فيها للزاهدين والقانتين فتركوا الأسباب التي هي شريعة الضعفاء بالتجريد الذي هو شريعة الأقوياء وحقيقة الأصفياء.
قد خرجوا لله عما اكتسبوا فكل صوفي إليهم ينسب
وأهل الصفة في الحقيقة كانوا أصحاب أموال وتجارة فلما هاجروا إلى المدينة تركوا كل ذلك ابتغاء مرضات الله فبنى لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صفة في طرف المسجد فنـزلوا فيها يصلون بالليل ويصومون النهار ويجاهدون مع رسول الله (ص) في أول الجيش، فقتل أكثرهم ومن بقي منهم بعد الرسول (ص) جاءته الدنيا، فمنهم من لم يقبلها ولم يأخذ منها شيئا كأبي ذر الغفاري وأبو الدرداء وأبو عبيدة ومعاذ وغيرهم ممن لا يحصى، ومنهم من أخذها بالله ودفعها لله فكان فيها كالأمين على مال مولاه يقوم فيها بواجب الحقوق دون تقصير، وكذلك سار على النهج الصوفية المحققون لا يملكون مع سيدهم شيئا ولا يملكهم شيء، فهذا نهج القوم في هذه الحياة عرفوا الله حقيقة المعرفة وساروا على نهجه وطريقه القويم ومن عرف القديم عرف الحادث، ووقفوا لذكر الله فكابدوا الليل بالسهاد وأسهروا العين في طاعة مليكهم وقصروا الأمل في الدنيا واشتغلوا بالله ولازموا ذكره ومراقبته، فلا الغفلة تجد لهم طريق ولا طول الأمل تجد طريقة إليهم، فقلوبهم عامرة بالله الواحد القهار.
ويرشد الشيخ إلى إغلاق باب النوم وفتح باب السهر لأن كثرة النوم مضيعة للوقت وقسوة للقلب فمن كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر دمه ومن كثر دمه كثر نومه وقسى قلبه فكل عمل يجعل القلب ذو طبيعة لينة تجد القوم يسارعون إليه، لهذا يغلقوا باب النوم ويفتحوا باب السهر بالمجاهدة والمراقبة.
ويرشدنا الشيخ سيدي ابراهيم بن أدهم (رضى الله عنه) إلى طول الأمل وهو من داء القلوب الذي تكلم العارفون فيه كثيرا، وطول الأمل في الدنيا يفقد القلب اليقين والتوكل، وطول الأمل يدخل في آفات النفس، فلك أيها المريد ساعتك التي أنت فيها ليس ما فات وما آت وما عند الله خير للأبرار.
القلب
قال الله تعالى ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ وقال تعالى ﴿ وإن من شيعته لإبراهيم، إذا جاء ربه بقلب سليم ﴾.
ومن دعاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ).
وقالوا للقلب معنيان، أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر للبهائم أيضا بل للميت كذلك، وثانيهما لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالقلب الجسماني كتعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات وهو حقيقة الإنسان والمعنى المراد كلما ذكر القلب في القرآن والسنة وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى بقوله ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ فهو النور الأزلي والسر العلي المنـزل في عين الأكوان لينظر الله تعالى به للإنسان ويعبر عنه في الكتاب بروح الله المنفوخ في روح آدم حيث قال تعالى ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ ويسمى هذا النور بالقلب لمعانٍ منها أنه لبابة المخلوقات وزبدة الموجودات جميعها فسمي بهذا الإسم لأن قلب الشيء خلاصته وزبدته ومنها سريع التقلب ذلك لأنه نقطة يدور عليها محيط الأسماء والصفات ومنها أن القلب لحقائق الوجود كالمرآة للوجه، ولما كان العالم سريع التغير في كل نفس انطبعت صورته في القلب فهو كذلك سريع التغير، وقيل كذلك أن العالم هو مرآة القلب وليس العكس، فالأصل هو القلب والفرع هو العالم ولهذا قال الله تعالى ﴿ ما وسعني أرض ولا سماء ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ﴾ ولوكان العالم هو الأصل لكان أولى بالوسع من القلب، فعلم أن القلب هو الأصل وأن العالم هو الفرع وهذا الوسع على ثلاثة أنواع: الأول وسع العلم، وذلك هو المعرفة بالله.
والثاني هو وسع المشاهدة، وذلك هو الكشف الذي يطلع القلب به على محاسن جمال الله تعالى.
والثالث هو وسع الخلافة، وهو التحقق بأسمائه وصفاته حتى يرى أنه ذاته فتكون هوية الحق عين هوية العبد فيصرف في الوجود تصرف الخليفة في ملك المستخلف، وهذا هو وسع المحققين وأرباب القلوب هم أصل الحقائق من المريدين والعارفين والمحققين وأهل المجاهدات والرياضات وأهل القرب بأنواع الطاعات ظاهراً وباطناً.
آداب
أحوال الصوفي
قال الشيخ زروق في بعض شروحه (رضى): ولما كان علم التصوف إنما هونتائج الأعمال الصحيحة وثمرات الأحوال الصافية.
من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، بدءا بالكلام على العمل فقال: من علامة الإعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل. إذ أن الإيمان ما وفقر في القلب ونطق به اللسان وصدقه العمل. واصلاح الجوارح بثلاثة أمور: التوبة والتقوى والإستقامة. وإصلاح القلوب بثلاثة أمور: الإخلاص والصدق والطمأنينة. وإصلاح السرائر بثلاثة أمور: المراقبة والمشاهدة والمعرفة.
أو تقول إصلاح الظواهر بإجتناب النواهي وامتثال الأوامر وإصلاح الضمائر بالتخلي من الرذائل والتحلي بأنواع الفضائل، والسرائر هنا الأرواح بذلُّها وانكسارها حتى تتهذب وترتاض بالأدب وحسن الخلق والتواضع.
ولا بد للمريد الراغب للسلوك إتباع الشريعة قولا وفعلا ثم ينتقل إلى الحقيقة عن طريق العارف بالله وما نراه اليوم من حال الناس حين إلى التصوف بالقول لا بالفعل وبزي الظاهر لا بزي الباطن بل يجتهدون في إعمار الظاهر سواءا كان لباسا أو حلاوة اللسان بالكلام وهو ألد الخصام ولا عجب من أهل هذا الزمان إن كان ذلك المبتدع منسوب لشيخ كإبن، ومن نسب نفسه لشيخا بطريق أو بآخر ظان أن انتسابه لذلك الشيخ ستغني عنه شيئا هيهات هيهات...
ليس التصوف لبس صوف ترقعه ولا بكاؤك إن تغنى المغنونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر وتتبع الحق والقرآن والـــــــديــنا
وإن ترى خاشعا لله مكتئبا على ذنبك طول الدهر محزونا
ونجد في كتاب الله ما يصدق ذلك القول في قوله تعالى ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾.
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ﴾.
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ﴾.
فلا بد لك أيها المريد أن تركن ويكون منهجك الشريعة المطهرة وأن تكون أعمالك موافقة للشريعة الغراء نصاً واستنباطاً، فإن الشريعة هي الحد القاطع والسيف اللامع لعصمتها، وفي هذا يقول المصطفى (ص) ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ). وفي حديث المصطفى (ص) ( تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي ).
يقول سيدي إبراهيم الدسوقي (رضى): من أحب أن يكون صادقا في إرادته وجميع أعماله وأقواله فليحبس نفسه في قمقم الشريعة المطهرة وليختم عليه بخاتم الحقيقة وليقتل نفسه بسيف المجاهدة وتجرع المرارات.
قال الإمام عبد الكريم القشيري رحمه الله تعالى: اعلموا رحمكم الله إن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعدهم على أصول صحية في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل وعرفوا ما هو حق القدم وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم.
ولذلك قال سيد هذه الطائفة سيدي الجنيد (رضى): التوحيد هو إفراد القدم من الحدث. واحكموا أصول العقائد بوضع الدلائل ورائع الشواهد، كما قال أبو محمد الجريري رحمه الله: من لم يقف على علم التوحيد بشاهد من شواهده زلت به قدمه الغرور في مهواة من التلف، يريد بذلك أن من الركن أو التقليد ولم يتأمل دلائل التوحيد سقط عن سنن النجاة ووقع في أسر الهلاك.
ومن تأمل ألفاظهم وتصفح كلامهم وجد في مجموع أقاويلهم ومتفرقاتها ما يثق بتأمله بأن القدم لم يقصر، وفي التحقيق والمعرفة والغوص في المعاشر الدقيقة وتمام المعرفة.
ومن أقوالهم: حظ النفس في المعصية ظاهر جلي وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما يخفى صعب علاجه وقالو أيضا تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال وقالوا أيضا رضي الله عنهم أجمعين لايخرج الشهوة من القلب إلاخوف مزعج أو شوف مقلق فمداوات الأمراض الظاهرة التزام التوبة والتقوى والإستقامة فإن صعب عليه فاليلزم حمية الشيخ العارف بالله ومداومة الجلوس بين يديه أو تكرارالمعن إليه فإن النظر إليه ترياق فإن صحبه ولم يشف من مرض فاليعلم أن صدقه قليل فإن الشيخ إذا كان له نور يمشي به في الناس جامعا بين سلوك وجذب لايمكن أن يصحبه العليل بالصدق ولم يشفى من ساعته.
وقال بعض الصالحين طريقتنا كالسكين وهذا تشبيه لقطعه كل ماهو خارج عن الشريعة والطريقة والحقيقة فعلى المريد الإقبال على الشيخ بكليته وحسن صحبته ويترك حظوظ النفس وإتباع الهوى والرضى عليه وأنشدوا:
تذلل لمن تهو فليس الهوى سهل إذا رضى المحبوب صح لك الوصل
تذلل له تحظى برؤيا جماله ففي وجه من تهوى الفرائض والنفل
ثم إن الإقامة على دوام الأوراد وهي خدمة الجوارح والإنتقال منهاإلى عمد القلوب من شأن أهل المحبة والمعرفة. قال بعضهم:
قوم أقامهم الحق لخدمته وقوم اختصهم بمحبته، ﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾. قال صاحب الحكم: العباد المخصصون بالعناية على قسمين قسم وجههم الحق لخدمته وأقامهم قيمها وهم أنواع فمنهم من انقطع في الفيافي والقفار لقيام الليل وصيام النهار، وهم العباد والزهاد، ومنهم من وجهه الحق لإقامة الدين وحفظ لشرائع المسلمين، وهم العلماء والصلحاء، ومنهم من أقامه الحق لنصرة الدين وإعلاء كلماته وهم المجاهدون في سبيل رب العالمين، ومنهم من أقامه الحق لتمهيدالبلاد وتسكين العباد، وهم الأمراء والسلاطين.
قال سيدي إبراهيم بن أدهم لرجل في الطواف يعظه: اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولها تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والخامسة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والسادسة تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.
ومثل هذه الموعظة تجدها كثيرة في كتب القوم وكلها لها أصل من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وخير التابعين.
وشرحاً لما تقدم من كلام سيدي ابراهيم بن أدهم (رضى) في أول نصائحه للفقير، نصحه بإغلاق باب النعمة وفتح باب الشدة فنقول: الدنيا وضعها ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ وفي موضع آخر وصف الدنيا بأنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وطول الأمل يعني التكاثر، ووصفها ربنا تبارك وتعالى كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما.
فيشير الشيخ للمريد بأن يسد باب النعمة ويفتح باب الشدة فالدنيا ليست بنعمة وإنما النعمة هي العمل الصالح في الحياة، وفي الحديث ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) والشدة المقصودة هي مكابدة الليل بالعبادة والنهار بالمراقبة فتورث الصبر والتحمل، وإن شئت قلت إنما بصبرهم على البلايا واردات العطايا، وإن شئت قلت إنما يقويهم على حمل أقداره شهود حسن اختياره.
ولعلمهم أنه ما نزل قدر إلا سبقه لطف وحكمة فلذلك صبروا على الشدة حتى مقام حمل الأسرار ولعلمهم بوجود علمه ولطفه ونصره وعونه.
وأما باب الذل بعد العز فعلموا أن ليس في الدنيا عز إنما العز عز الدين والآخرة وتحققوا بقول الله تعالى ﴿ فإن العزة لله جميعا ﴾، فلا يطلبوا عزة الدنيا بل يطلبوا عزة الدين، وفي هذا أرشدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضى) في قوله: لئن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله (أي الدين) وتمام قوله كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله.
وحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يرشدنا إلى حقيقة عظمة العزة هي عزة الدين والعمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص)
فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله وكان من الخاسرين.
فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله وكان من الخاسرين.
ويرشدنا سيدي إبراهيم بن أدهم (رضى) في نصحه للفقير أن يسد باب الراحة ويفتح باب الجهد فنقول أي راحة هذه ينشدها الإنسان، راحة البدن أم راحة البال، ففي كل يسأل الله الإنسان، فحياة المسلم كلها جد واجتهاد في بدنه وروحه، وأوامر الإسلام بالنسبة لعمل البدن فهي أعمال فيها صحة ورياضة لهذا البدن الذي خلقه الله ويعلم مولانا ما له وما عليه فكلفه بأعمال بدنية كالصلاة والصيام والحج تزكية لهذا البدن وعافية له وخير، وهناك الإجتهاد الباطني وهنا يرشدنا الشيخ إلى الإجتهاد.
قال سيدي أبو علي الدقاق (رضى): من زين ظاهره بالمجاهدة زين الله باطنه بالمشاهدة ومن لم يجاهد نفسه في بدايته لا يشم من الطريق رائحة، لأن من خصائص طريق أهل الله تعالى أن العبد إذا لم يعطي الطريق كله لا تعطه الطريق بعضها.
وفي هذا المعنى يقول سيدي أبوعثمان المغربي (رضى): من ظن أنه يفتح عليه بشيء من هذه الطريق
بغير مجاهدة فقد رام المحال.
بغير مجاهدة فقد رام المحال.
ويقول أيضا أسيادنا من لم يكن له في بدايته قومة لم يكن له في نهايته جلسة.
جزى الله خيرا أسيادنا هم يريدوا بهذه المعاني التحمل بأن يغلقوا باب الراحة ويفتحوا باب الشدة والمجاهدة أخف عليهم من احتمال الغفلة عن الله لأن الغفلة أكبر داء. ولأن الغفلة فيها ضرر وتبعد المريد عن الله وعن الدين.
بيت الولاية قسمت أركانه ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائما والجوع والسهر النـزيه الغالِ
ويرشدنا الشيخ إلى سد باب الغنى وفتح باب الفقر فحب الدنيا رأس كل خطيئة والزهد هو الصواب لمن عرفها وابتعد عنها وغرورها.
يقول الإمام علي (رضى الله عنه):
فعش قانعا إن القناعة للفتى
غنى وهذا مقتضى ما أشيره
وإن الغنى غنى النفس والمريد الصادق غني بالله تعالى فهو تعالى غني عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه. ومن دعاء المصطفى (ص): ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ).
يقول سيدي محي الدين بن العربي (رضى): الناس تقضى حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها، ونحن تقضى حوائجنا بالزهد فيها والاشتغال بالله عنها. أ.ه.
وأهل الصفة تخلقوا من أخلاق الرسول الأعظم (ص)، فهو (ص) أكمل الناس زهداً وورعا وخوفاً ورجاءً وجداً وتوكلاً ورضاءً وتسليماً ومحبة ورحمة وشفقة وحلم وكرما وشجاعة وكمال المعرفة، وقد نزل في حقهم قوله تعالى ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ﴾.
يقول سيدي ابن عجيبة (رضى) في وصف أهل الصفة أنهم تركوا الدنيا لأهلها وانقطعوا إلى الله بالكلية وقد فهموا ذلك من مطلوبات الشرع ومقتضياته إذ قد سمعوا كلام ربهم وأحاديث نبيهم (ص) في ذم الدنيا والإشتغال بها ومدح التفرغ للعبادة والإجتهاد فيها وما أعد الله فيها للزاهدين والقانتين فتركوا الأسباب التي هي شريعة الضعفاء بالتجريد الذي هو شريعة الأقوياء وحقيقة الأصفياء.
قد خرجوا لله عما اكتسبوا فكل صوفي إليهم ينسب
وأهل الصفة في الحقيقة كانوا أصحاب أموال وتجارة فلما هاجروا إلى المدينة تركوا كل ذلك ابتغاء مرضات الله فبنى لهم رسول الله (ص) صفة في طرف المسجد فنـزلوا فيها يصلون بالليل ويصومون النهار ويجاهدون مع رسول الله (ص) في أول الجيش، فقتل أكثرهم ومن بقي منهم بعد الرسول (ص) جاءته الدنيا، فمنهم من لم يقبلها ولم يأخذ منها شيئا كأبي ذر الغفاري وأبو الدرداء وأبو عبيدة ومعاذ وغيرهم ممن لا يحصى، ومنهم من أخذها بالله ودفعها لله فكان فيها كالأمين على مال مولاه يقوم فيها بواجب الحقوق دون تقصير، وكذلك سار على النهج الصوفية المحققون لا يملكون مع سيدهم شيئا ولا يملكهم شيء، فهذا نهج القوم في هذه الحياة عرفوا الله حقيقة المعرفة وساروا على نهجه وطريقه القويم ومن عرف القديم عرف الحادث، ووقفوا لذكر الله فكابدوا الليل بالسهاد وأسهروا العين في طاعة مليكهم وقصروا الأمل في الدنيا واشتغلوا بالله ولازموا ذكره ومراقبته، فلا الغفلة تجد لهم طريق ولا طول الأمل تجد طريقة إليهم، فقلوبهم عامرة بالله الواحد القهار.
ويرشد الشيخ إلى إغلاق باب النوم وفتح باب السهر لأن كثرة النوم مضيعة للوقت وقسوة للقلب فمن كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر دمه ومن كثر دمه كثر نومه وقسى قلبه فكل عمل يجعل القلب ذو طبيعة لينة تجد القوم يسارعون إليه، لهذا يغلقوا باب النوم ويفتحوا باب السهر بالمجاهدة والمراقبة.
ويرشدنا الشيخ سيدي ابراهيم بن أدهم (رضى) إلى طول الأمل وهو من داء القلوب الذي تكلم العارفون فيه كثيرا، وطول الأمل في الدنيا يفقد القلب اليقين والتوكل، وطول الأمل يدخل في آفات النفس، فلك أيها المريد ساعتك التي أنت فيها ليس ما فات وما آت وما عند الله خير للأبرار.
القلب
قال الله تعالى ﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾ وقال تعالى:
﴿ وإن من شيعته لإبراهيم، إذا جاء ربه بقلب سليم ﴾.
﴿ وإن من شيعته لإبراهيم، إذا جاء ربه بقلب سليم ﴾.
ومن دعاء رسول الله (ص): ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ).
وقالوا للقلب معنيان، أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر للبهائم أيضا بل للميت كذلك، وثانيهما لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالقلب الجسماني كتعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات وهو حقيقة الإنسان والمعنى المراد كلما ذكر القلب في القرآن والسنة وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى بقوله ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ فهو النور الأزلي والسر العلي المنـزل في عين الأكوان لينظر الله تعالى به للإنسان ويعبر عنه في الكتاب بروح الله المنفوخ في روح آدم حيث قال تعالى ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ ويسمى هذا النور بالقلب لمعانٍ منها أنه لبابة المخلوقات وزبدة الموجودات جميعها فسمي بهذا الإسم لأن قلب الشيء خلاصته وزبدته ومنها سريع التقلب ذلك لأنه نقطة يدور عليها محيط الأسماء والصفات ومنها أن القلب لحقائق الوجود كالمرآة للوجه، ولما كان العالم سريع التغير في كل نفس انطبعت صورته في القلب فهو كذلك سريع التغير، وقيل كذلك أن العالم هو مرآة القلب وليس العكس، فالأصل هو القلب والفرع هو العالم ولهذا قال الله تعالى ﴿ ما وسعني أرض ولا سماء ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ﴾ ولوكان العالم هو الأصل لكان أولى بالوسع من القلب، فعلم أن القلب هو الأصل وأن العالم هو الفرع وهذا الوسع على ثلاثة أنواع: الأول وسع العلم، وذلك هو المعرفة بالله.
والثاني هو وسع المشاهدة، وذلك هو الكشف الذي يطلع القلب به على محاسن جمال الله تعالى.
والثالث هو وسع الخلافة، وهو التحقق بأسمائه وصفاته حتى يرى أنه ذاته فتكون هوية الحق عين هوية العبد فيصرف في الوجود تصرف الخليفة في ملك المستخلف، وهذا هو وسع المحققين وأرباب القلوب هم أصل الحقائق من المريدين والعارفين والمحققين وأهل المجاهدات والرياضات وأهل القرب بأنواع الطاعات ظاهراً وباطناً.
آداب المريد
قال سيدي العارف بالله الشيخ عبد المحمود نور الدائم (رضى الله عنه):
حقيقة الأدب إجتماع خصال الخير وارتكاب المستحسن من الأقوال والأفعال.
حقيقة الأدب إجتماع خصال الخير وارتكاب المستحسن من الأقوال والأفعال.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله عزوجل أدبني فأحسن تأديـبي.
قال أبو علي محمد عبد الوهاب الثقفي (رضى): من لم يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوب أفعاله ورعونات نفسه لا يجوز الإقتداء به في تصحيح المعاملات.
وقال سيدي يوسف بن الحسين المرازي (رضى): بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصح لك العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة تغنم الزهد وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب الآخرة وبالرغبة في الآخرة تنال رضاء الله عزوجل.
وقال أبوعلي الدقاق (رضى الله عنه): يصل العبد بطاعته إلى الجنة وبأدبه في الطاعة إلى الله عزوجل.
واعلم أن للمريد آدابا في نفسه ومع شيخه وإخوانه والعامة ولنختصر على البعض منها أما آدابه في نفسه أن يكون ناهض الهمة صادق العزم زائد الحزم قوي الجد كامل الوجد محافظ على السنن والنوافل وأن يسد على نفسه باب مراعاة الخلق فلا يلتفت لأحد من المخلوقين أقبل كله أو أدبر، وأن يوبخ نفسه وأن يحتمها على السير وكلما تعبت عن العبادة يقول لها راحتك الآخرة، وأن يكابد خواطره ويعالج أخلاقه الذميمة كالعجب والرياء والغضب وعز النفس وأن لا يستبطئ الفتح بل يعبد الله لوجهه الكريم فتح عليه أم لا.
قال سيدي محي الدين بن العربي (رضى الله عنه): إياك أن تترك المجاهدة إن لم ترى أمارة الفتح بعدها، ففي هذا أمر لازم لابد منه ولكن للفتح وقت لا يتعداه، فلا تتهم ربك فإنه لابد لأعمالك من ثمرة إن كنت مخلصا.
ومن الآداب أن يخفي أعماله وأحواله ما أمكن حتى يرسخ، وأن لا يترفه في الأكل والمشرب والملبس والمركب مادام سالكا إلا عند ضرورة، وأن لا يلهج بغير ذكر الله عز وجل في أوقاته ولا يجيب قط من عدله إلى غيره من زوائد العلوم ونوافل العبادات، فإن ذكر الله لا يقبل الشراكة لكل شئ أشركه المريد معه يتخلف عن الفتح بقدره كثرة أو قلة، وأن يعرف من العلم ما تجب معرفته ليدخل طريق الله على نور فلا يخاف عليه الخروج من السنة إلى البدعة.
وأما آداب المريد مع الشيخ فكثيرة جداً، وقد ندرس غالبها في هذا الزمان لقلة أهلها ومن يستعملها مع أن مراعاتها من أوكد الأمور منها أن لا يدخل على الشيخ إلا متطهراً ظاهراً وباطناً، ظاهراً بالطهارة الشرعية، وباطناً بالتوبة من كل ذنب وأن يطرق عليه باب خلوته إذا كان فيها بل يذكر الله جهراً فإذا سمعه وأمره بالدخول دخل وإلا انصرف راشداً ولا يتكلم بحضرته إجواباً وليخفض صوته وليطرق برأسه إذا جلس إلى الشيخ، ولا يكتم عنه شيئا من خواطره محمودة أو مذمومة كانت، فالشيخ طبيب النفس كما وأن للجسم طبيبه فيشتكي الإنسان المريض إلى الطبيب كل شيء يحس به ويشعر ليسهل للطبيب المداواة ووصف العلاج، فكلما كان وصفك للعلة أبلغ وأوضح كلما سهل على الطبيب وصف العلاج كذلك الشيخ طبيب الروح يداويها من علاتها ويراقب أحوالها وهنا حق الشيخ على المريد وحق المريد على الشيخ.
ومن الآداب مع الشيخ أن لا يمشي أمامه إلا ليلاً أو بإذن الشيخ، فإن أذن وجب على المريد بأن يأتمر بأمر الشيخ ولا يذهب من عنده إلا بإذن ولا يتخلف عن مجلسه ولا يفعل شيئا إلا بمشورته وليقم لقيامه ويقبل عليه إذا جاء ولا يوله ظهره بل يقوم مواجها له حتى يتوارى ولا يتربع بحضرته إلا بإذنه أو عن ضرورة، ولا يتأول كلامه بل يحمله على ظاهره، وإن لبس عليه أمر فليسأل الشيخ فوراً ولا يطأ بقدمه على مكان جلوس الشيخ وعلى سجادته ولا ينم على وسادته ولا يلبس ثوبه ولا يرتدي بردائه ولا يسبح بسبحته فإذا الشيخ وهبه شيئا من ذلك فليظهر توقيره لذلك.
ومن الآداب إدامة النظر للشيخ إذ ربما يهون عنده وتسقط حرمته من قلبه بذلك فيحرم بركته، وعليه إكرام أولاده وأصحابه وسائر مريديه وعشيرته وغير ذلك.
ومن آداب المريد مع إخوانه أن يكون محبا لهم جميعا وأن يكون ذلك لله تعالى. وأن لا ينظر إلى عورة لهم ظهرت ولا إلى ذلة سبقت إذا لا يأمن الوقوع في مثلهاوإذا بلغه عنهم شيء كذَّب الناقل، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه فينبههم على الوضوء قبل الوقت وعلى النشاط في العبادة والقيام في الأسحار، وأن لا يكون سببا لأحد منهم في سوء الأدب مع الشيخ ولا في التكاسل عن حضور مجالس الذكر بالكلية أو في أول المجلس أو عن صلاة الجماعة أو مجالس العلم والآداب وإلا فقد أساء معهم وكان عليه وزر من اتبعه، وإذا وبَّخه إخوانه على التخلف لا يقيم عليهم الحجة بل يقول لهم جزاكم الله خير هذا دليل صدق محبتكم.
وأما آدابه مع عامة الناس أن لا يكون عنده حقد ولاحسد ولا مشاحنة ولا غش ولا خيانة لأحد ولا استهزاء بأحد من الخلق، وأن يتواضع للصغير والكبير وأن يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويحسن لمن أساء إليه وأن لا يعترض على أحد من الخلق إلا إذا كان فعله يناقض الشريعة، وعلى المريد إتباع الشريعة في كل أحواله باطنا وظاهرا، فإن المريد على قدر تقيده بالشرع يكون فلاحه ويثبت عندك ثبوتا حقيقيا لا مجازيا إذ لا وصول إلى تحقيقه عند كافة الصوفية إلا بالشرع.
قال الإمام النووي رحمه الله: من رأيته يدعي مع الله حاله تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه فإنه مبتدع.
وقال سيدي أبو زيد البسطامي (رضى): لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
وقال النصر أباذي (رضى): أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الإهداء والبدع.
وقال سيدي أبو القاسم الجنيد (رضى): مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، وقال إذا رأيتم الرجل يمشي في الهواء فلا تلتفتوا إليه فإن الشيطان يطير من المشرق إلى المغرب ويمشي على الماء، ولكن انظروا في اتباعه الكتاب والسنة فإن الشيطان لا يقدر على ذلك أبدا.
وقال سيدي ابن عطاء الله السكندري (رضى الله عنه): من ألزم نفسه آداب الشريعة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب (ص) في أوامره وأفعاله وأخلاقه، فمن زعم أن له مع الله حالاً يخرجه عن حد العلم الشرعي فهو ضال عن الحق.
قال الإمام الغزالي (رضى الله عنه): من زعم أن له حالاً أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم شرب الخمر وجب قتله.
قيل للجنيد (رضى الله عنه) إن جماعة يزعمون أنهم يصلوا إلى حالة يسقط عنهم التكليف بها، قال: وصلوا ولكن إلى سقر.
فمن هذا تبين لنا أن طريق القوم مشروط بالأدب لأن الأدب هو قاعدة يكون عليها حال المريد.
من أقوالهم أيضا رضي الله عنهم أجمعين
من أقوالهم أيضا رضي الله عنهم أجمعين
من أقوال الشيخ عبدالقادر الجيلاني (رضى الله عنه)
· كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة.
· طر إلى الحق بجناحي الكتاب والسنة.
· يا غلام إياك والحسد فإنه بئس القرين وهو الذي خرب بيت إبليس وأهلكه وجعله من أهل النار وجعله ملعون الحق عز وجل وملائكته وأنبيائه وخلقه.
· اغسل ثيابك من الوسخ واغسل قلبك من الذنوب.
· لا تغتر بشيء فإن ربك فعال لما يريد.
· التقوى أساس كل خير وسبب لمجئ الدنيا والحكمة والعلوم وصفاء القلوب والأسرار.
· يا غلام لا تهرب من البلاء والصبر عليه لا بد منه ومن الصبر عليه كيف تتغير جبلة الدنيا وما خلق عليها لأجلك، ما يزال الأنبياء الذين هم خير الخلق مبتلين، وهكذا أتباعهم المقتدون بهم والماشون في جادتهم والمقتفون آثارهم.
· إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فاعرض أعماله على الكتاب والسنة فإن كانت محبوبة فيهما فأحبه وإن كانت مكروهة فاكرهه لئلا تحبه بهواك أو تبغضه بهواك.
· لا يصلح لمجالسة الحق إلا المتطهرون من وثن الزلات، ولا تفتح أبوابه تعالى إلالمن خلا عن الرعونات والدعاوي.
من أقوال سيدي أحمد الرفاعي (رضى الله عنه)
· صونوا عقائدكم عن التمسك بظاهر ما تتشابه من الكتاب والسنة.
· نزهوا الله عن سمات المحدثين وصفات المخلوقين، وطهروا عقائدكم من تفسير معنى الإستواء في حقه تعالى بالإستقرار كإستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك.
· عظموا شأن العلم تعظيما يقوم بواجباته لأنه درك حقائق الأشياء مسموعا ومعقولاً.
· العبد إذا انتصر لنفسه تعب وإذا سلم الأمر إلى الله تعالى نصره الله من غير عشيرة ولا أهل.
· الخلق كلهم لا يضرون ولا ينفعون، حجب نصبها لعباده فمن رفع تلك الحجب وصل إليه.
· من أدرع بدرع الصبر سلم من سهام العجلة.
· من علامة العارف كتمان الحال، وصمت المقال، والتخلص من الآمال.
· الشيخ باطنه الشرع، وظاهره الشرع.
· ما شم رائحة المعرفة من افتخر بأبيه وأمه وخاله وعمه وماله ورجاله، ليس عند الله على شيء من رأى نفسه.
· الشيخ من يلزمك الكتاب والسنة ويبعدك عن المحدثة والبدعة.
· أكذب الناس على الله والخلق من رأى نفسه خير من الخلق.
من أقوال سيدي إبراهيم الدسوقي (رضى الله عنه)
· من ليس عنده ولا رحمة للخلق، لا يرقى مراتب أهل الله.
· ما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئا من الحكم والمعارف شيئاً.
· رأس مال المريد المحبة والتسليم.
· ما قطع مريد ورده إلا قطع الله عنه إمداده في ذلك اليوم فإن مدده يأتي منه .
· الطريق كلها ترجع لكلمتين: تعرف ربك وتعبده.
· إذا أحبك ربك أحبك أهل السماء والأرض وأطاعك الجن والإنس والماء والهواء.
· لا يكمل الرجل حتى يفر عن قلبه وسره وعلمه وهمه وفكره وكل ما خطر بباله غير ربه.
من أقوال سيدي أبوالقاسم الجنيد (رضى الله عنه)
· الطريق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول (ص).
· وقال من لم يحفظ القرآن الكريم ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة.
· وقال ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.
· المروءة إحتمال زلل الإخوان.
· الزهد خلو القلب عما خلت من اليد، واستصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب.
من أقوال سيدي أبوالحسن الشاذلي (رضى الله عنه)
· من علامة النفاق ثقل الذكر على اللسان، فتب إلى الله يخف الذكر على لسانك.
· لا يشم رائحة الولاية من لا يزهد في الدنيا وأهلها.
· نحن لا نقيد على مريدنا أنه لا يجتمع بغيرنا، بل نقول له إن وجدت منهلا أعذب منا فعليك به.
· ليس هذا الطريق بالرهبانية وأكل الشعير بل بالصبر والحضور مع الله.
· من لم يزدد بعلمه وعمله تواضعا للخلق فهو هالك.
· لا تركن إلىعلم ولا عمل ولا مدد وكن مع الله بالله لله.
· لا كبيرة عندنا أكبر من حب الدنيا وإيثارها على الآخرة والمقام على الجهل بأحكام الدين.
المريد
قال سيدي العارف بالله الشيخ عبد المحمود نور الدائم (رضى): حقيقة الأدب إجتماع خصال الخير وارتكاب المستحسن من الأقوال والأفعال.
قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : إن الله عزوجل أدبني فأحسن تأديـبي.
قال أبو علي محمد عبد الوهاب الثقفي (رضى الله عنه): من لم يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوب أفعاله ورعونات نفسه لا يجوز الإقتداء به في تصحيح المعاملات.
وقال سيدي يوسف بن الحسين المرازي (رضى الله عنه): بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصح لك العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة تغنم الزهد وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب الآخرة وبالرغبة في الآخرة تنال رضاء الله عزوجل.
وقال أبوعلي الدقاق (رضى الله عنه): يصل العبد بطاعته إلى الجنة وبأدبه في الطاعة إلى الله عزوجل.
واعلم أن للمريد آدابا في نفسه ومع شيخه وإخوانه والعامة ولنختصر على البعض منها أما آدابه في نفسه أن يكون ناهض الهمة صادق العزم زائد الحزم قوي الجد كامل الوجد محافظ على السنن والنوافل وأن يسد على نفسه باب مراعاة الخلق فلا يلتفت لأحد من المخلوقين أقبل كله أو أدبر، وأن يوبخ نفسه وأن يحتمها على السير وكلما تعبت عن العبادة يقول لها راحتك الآخرة، وأن يكابد خواطره ويعالج أخلاقه الذميمة كالعجب والرياء والغضب وعز النفس وأن لا يستبطئ الفتح بل يعبد الله لوجهه الكريم فتح عليه أم لا.
قال سيدي محي الدين بن العربي (رضى): إياك أن تترك المجاهدة إن لم ترى أمارة الفتح بعدها، ففي هذا أمر لازم لابد منه ولكن للفتح وقت لا يتعداه، فلا تتهم ربك فإنه لابد لأعمالك من ثمرة إن كنت مخلصا.
ومن الآداب أن يخفي أعماله وأحواله ما أمكن حتى يرسخ، وأن لا يترفه في الأكل والمشرب والملبس والمركب مادام سالكا إلا عند ضرورة، وأن لا يلهج بغير ذكر الله عز وجل في أوقاته ولا يجيب قط من عدله إلى غيره من زوائد العلوم ونوافل العبادات، فإن ذكر الله لا يقبل الشراكة لكل شئ أشركه المريد معه يتخلف عن الفتح بقدره كثرة أو قلة، وأن يعرف من العلم ما تجب معرفته ليدخل طريق الله على نور فلا يخاف عليه الخروج من السنة إلى البدعة.
وأما آداب المريد مع الشيخ فكثيرة جداً، وقد ندرس غالبها في هذا الزمان لقلة أهلها ومن يستعملها مع أن مراعاتها من أوكد الأمور منها أن لا يدخل على الشيخ إلا متطهراً ظاهراً وباطناً، ظاهراً بالطهارة الشرعية، وباطناً بالتوبة من كل ذنب وأن يطرق عليه باب خلوته إذا كان فيها بل يذكر الله جهراً فإذا سمعه وأمره بالدخول دخل وإلا انصرف راشداً ولا يتكلم بحضرته إجواباً وليخفض صوته وليطرق برأسه إذا جلس إلى الشيخ، ولا يكتم عنه شيئا من خواطره محمودة أو مذمومة كانت، فالشيخ طبيب النفس كما وأن للجسم طبيبه فيشتكي الإنسان المريض إلى الطبيب كل شيء يحس به ويشعر ليسهل للطبيب المداواة ووصف العلاج، فكلما كان وصفك للعلة أبلغ وأوضح كلما سهل على الطبيب وصف العلاج كذلك الشيخ طبيب الروح يداويها من علاتها ويراقب أحوالها وهنا حق الشيخ على المريد وحق المريد على الشيخ.
ومن الآداب مع الشيخ أن لا يمشي أمامه إلا ليلاً أو بإذن الشيخ، فإن أذن وجب على المريد بأن يأتمر بأمر الشيخ ولا يذهب من عنده إلا بإذن ولا يتخلف عن مجلسه ولا يفعل شيئا إلا بمشورته وليقم لقيامه ويقبل عليه إذا جاء ولا يوله ظهره بل يقوم مواجها له حتى يتوارى ولا يتربع بحضرته إلا بإذنه أو عن ضرورة، ولا يتأول كلامه بل يحمله على ظاهره، وإن لبس عليه أمر فليسأل الشيخ فوراً ولا يطأ بقدمه على مكان جلوس الشيخ وعلى سجادته ولا ينم على وسادته ولا يلبس ثوبه ولا يرتدي بردائه ولا يسبح بسبحته فإذا الشيخ وهبه شيئا من ذلك فليظهر توقيره لذلك.
ومن الآداب إدامة النظر للشيخ إذ ربما يهون عنده وتسقط حرمته من قلبه بذلك فيحرم بركته، وعليه إكرام أولاده وأصحابه وسائر مريديه وعشيرته وغير ذلك.
ومن آداب المريد مع إخوانه أن يكون محبا لهم جميعا وأن يكون ذلك لله تعالى. وأن لا ينظر إلى عورة لهم ظهرت ولا إلى ذلة سبقت إذا لا يأمن الوقوع في مثلهاوإذا بلغه عنهم شيء كذَّب الناقل، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه فينبههم على الوضوء قبل الوقت وعلى النشاط في العبادة والقيام في الأسحار، وأن لا يكون سببا لأحد منهم في سوء الأدب مع الشيخ ولا في التكاسل عن حضور مجالس الذكر بالكلية أو في أول المجلس أو عن صلاة الجماعة أو مجالس العلم والآداب وإلا فقد أساء معهم وكان عليه وزر من اتبعه، وإذا وبَّخه إخوانه على التخلف لا يقيم عليهم الحجة بل يقول لهم جزاكم الله خير هذا دليل صدق محبتكم.
وأما آدابه مع عامة الناس أن لا يكون عنده حقد ولاحسد ولا مشاحنة ولا غش ولا خيانة لأحد ولا استهزاء بأحد من الخلق، وأن يتواضع للصغير والكبير وأن يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويحسن لمن أساء إليه وأن لا يعترض على أحد من الخلق إلا إذا كان فعله يناقض الشريعة، وعلى المريد إتباع الشريعة في كل أحواله باطنا وظاهرا، فإن المريد على قدر تقيده بالشرع يكون فلاحه ويثبت عندك ثبوتا حقيقيا لا مجازيا إذ لا وصول إلى تحقيقه عند كافة الصوفية إلا بالشرع.
قال الإمام النووي رحمه الله: من رأيته يدعي مع الله حاله تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه فإنه مبتدع.
وقال سيدي أبو زيد البسطامي (رضى الله عنه): لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
وقال النصر أباذي (رضى الله عنه): أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الإهداء والبدع.
وقال سيدي أبو القاسم الجنيد (رضى الله عنه): مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، وقال إذا رأيتم الرجل يمشي في الهواء فلا تلتفتوا إليه فإن الشيطان يطير من المشرق إلى المغرب ويمشي على الماء، ولكن انظروا في اتباعه الكتاب والسنة فإن الشيطان لا يقدر على ذلك أبدا.
وقال سيدي ابن عطاء الله السكندري (رضى الله عنه): من ألزم نفسه آداب الشريعة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب (ص) في أوامره وأفعاله وأخلاقه، فمن زعم أن له مع الله حالاً يخرجه عن حد العلم الشرعي فهو ضال عن الحق.
قال الإمام الغزالي (رضى الله عنه): من زعم أن له حالاً أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم شرب الخمر وجب قتله.
قيل للجنيد (رضى) إن جماعة يزعمون أنهم يصلوا إلى حالة يسقط عنهم التكليف بها، قال: وصلوا ولكن إلى سقر.
فمن هذا تبين لنا أن طريق القوم مشروط بالأدب لأن الأدب هو قاعدة يكون عليها حال المريد.
من أقوال الشيخ عبدالقادر الجيلاني (رضى)
· كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة.
من أقوال الشيخ عبدالقادر الجيلاني (رضى)
· كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة.
· طر إلى الحق بجناحي الكتاب والسنة.
· يا غلام إياك والحسد فإنه بئس القرين وهو الذي خرب بيت إبليس وأهلكه وجعله من أهل النار وجعله ملعون الحق عز وجل وملائكته وأنبيائه وخلقه.
· اغسل ثيابك من الوسخ واغسل قلبك من الذنوب.
· لا تغتر بشيء فإن ربك فعال لما يريد.
· التقوى أساس كل خير وسبب لمجئ الدنيا والحكمة والعلوم وصفاء القلوب والأسرار.
· يا غلام لا تهرب من البلاء والصبر عليه لا بد منه ومن الصبر عليه كيف تتغير جبلة الدنيا وما خلق عليها لأجلك، ما يزال الأنبياء الذين هم خير الخلق مبتلين، وهكذا أتباعهم المقتدون بهم والماشون في جادتهم والمقتفون آثارهم.
· إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فاعرض أعماله على الكتاب والسنة فإن كانت محبوبة فيهما فأحبه وإن كانت مكروهة فاكرهه لئلا تحبه بهواك أو تبغضه بهواك.
· لا يصلح لمجالسة الحق إلا المتطهرون من وثن الزلات، ولا تفتح أبوابه تعالى إلالمن خلا عن الرعونات والدعاوي.
من أقوال سيدي أحمد الرفاعي (رضى الله عنه)
· صونوا عقائدكم عن التمسك بظاهر ما تتشابه من الكتاب والسنة.
· نزهوا الله عن سمات المحدثين وصفات المخلوقين، وطهروا عقائدكم من تفسير معنى الإستواء في حقه تعالى بالإستقرار كإستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك.
· عظموا شأن العلم تعظيما يقوم بواجباته لأنه درك حقائق الأشياء مسموعا ومعقولاً.
· العبد إذا انتصر لنفسه تعب وإذا سلم الأمر إلى الله تعالى نصره الله من غير عشيرة ولا أهل.
· الخلق كلهم لا يضرون ولا ينفعون، حجب نصبها لعباده فمن رفع تلك الحجب وصل إليه.
· من أدرع بدرع الصبر سلم من سهام العجلة.
· من علامة العارف كتمان الحال، وصمت المقال، والتخلص من الآمال.
· الشيخ باطنه الشرع، وظاهره الشرع.
· ما شم رائحة المعرفة من افتخر بأبيه وأمه وخاله وعمه وماله ورجاله، ليس عند الله على شيء من رأى نفسه.
· الشيخ من يلزمك الكتاب والسنة ويبعدك عن المحدثة والبدعة.
· أكذب الناس على الله والخلق من رأى نفسه خير من الخلق.
من أقوال سيدي إبراهيم الدسوقي (رضى الله عنه)
· من ليس عنده ولا رحمة للخلق، لا يرقى مراتب أهل الله.
· ما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئا من الحكم والمعارف شيئاً.
· رأس مال المريد المحبة والتسليم.
· ما قطع مريد ورده إلا قطع الله عنه إمداده في ذلك اليوم فإن مدده يأتي منه .
· الطريق كلها ترجع لكلمتين: تعرف ربك وتعبده.
· إذا أحبك ربك أحبك أهل السماء والأرض وأطاعك الجن والإنس والماء والهواء.
· لا يكمل الرجل حتى يفر عن قلبه وسره وعلمه وهمه وفكره وكل ما خطر بباله غير ربه.
من أقوال سيدي أبوالقاسم الجنيد (رضى الله عنه)
· الطريق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول (ص).
· وقال من لم يحفظ القرآن الكريم ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة.
· وقال ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.
· المروءة إحتمال زلل الإخوان.
· الزهد خلو القلب عما خلت من اليد، واستصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب.
من أقوال سيدي أبوالحسن الشاذلي (رضى الله عنه)
من أقوال سيدي أبوالحسن الشاذلي (رضى الله عنه)
· من علامة النفاق ثقل الذكر على اللسان، فتب إلى الله يخف الذكر على لسانك.
· لا يشم رائحة الولاية من لا يزهد في الدنيا وأهلها.
· نحن لا نقيد على مريدنا أنه لا يجتمع بغيرنا، بل نقول له إن وجدت منهلا أعذب منا فعليك به.
· ليس هذا الطريق بالرهبانية وأكل الشعير بل بالصبر والحضور مع الله.
· من لم يزدد بعلمه وعمله تواضعا للخلق فهو هالك.
· لا تركن إلىعلم ولا عمل ولا مدد وكن مع الله بالله لله.
· لا كبيرة عندنا أكبر من حب الدنيا وإيثارها على الآخرة والمقام على الجهل بأحكام الدين.